بقلم نهال عبد الواحد
ظلت يوكابد تطوي الأرض مهرولةً طوال الليل تضم وليدتها وتحمل سرة ملابسها ترتعب أن يلتمسها أحدهم فيكتشف هروبها ثم يتتبع أثرها بالإضافة لارتعابها من ذلك الليل البهيم الذي لا يُرى منه أي ملامح، حتى تنفّس الصّبح بنوره وبدأ يملأ الكون، ومع أول ساعات النّهار كانت قد ابتعدت كليًا عن تلك الدّيار التي لا تعرف لها اسمًا مثلما لا تعرف ماهية وجهتها.
كانت تتلفت خلفها فلا ترى أي ديار ولا أي ملامح للحياة من أي اتجاه وقد صارت وسط الصحراء.
تابعت سيرها مجاورة لسفح أحد الجبال ليس لشيءٍ إلا لتستظل بظله عن شمس الصحراء المحرقة وكلما صرخت طفلتها جلست إلى جانب الطريق وأرضعتها ثم أخرجت ذلك السقاء تشرب القليل من الماء مع تناول بعض التّمرات ثم تحمل طفلتها وأشياءها وتنهض لتكمل الطّريق.
عادت أمامة إلى البيت وظلت في حجرتها حتى استيقظ ابنها وسمعت صوت صياحه فابتسمت بانتصار حتى داهم حجرتها وتساءل في صياح: أين ذهبت يوكابد؟
فتململت أمامة في جلستها ثم تنهدت وأجابت بتبلد: هكذا هي تحيتك لأمك! هكذا تقتحم حجرتها!
ثم اخفضت رأسها تتصنع القهر، لكنه صاح فيها: أماه! لا طاقة لي بهذه المهاترات! والآن أخبريني وفورًا ما الخطب بالضّبط؟!
فتنهدت وتابعت: لم يحدث خطبٌ جلل بُني؛ كل ما هنالك أن تلك اللعينة قد انقطعت أنفاسها أثناء مخاضها وأخيرًا حلت عليها لعنة الآلهة ورحلت عنا بل رحلت عن الدّنيا للأبد.
قالت الأخيرة وهي تزفر براحة، فجحظت عينا الزُّهير وتابع بغضب: ماذا تعني بانقطعت أنفاسها ورحلت عن الدنيا؟ هل تقصدين أنها ماتت؟!
فأومأت برأسها بسعادة وأكملت: أجل بُني، وأخيرًا قد استراحت، ولأنها أنجبت أنثى فأمرت بدفنها مع أمها؛ ففي جميع الأحوال نحن لن نقبل الإناث أبدًا في حياة أمهاتهنّ فما بالك إن رحلن عن الحياة!
وجم الزُّهير للحظات كأنما غاب عن الوعي لحظيًّا ثم تابع مكررًا: هل قلتِ الآن أنها قد ماتت؟!
فأومأت برأسها فتساءل: ومن الذي حملها وتولى دفنها؟ أم ستخبريني أنكِ من فعلتِ هذا وحدك؟!
فضحكت منه وقالت: بالطّبع لا بُني، قد أرسلت لخالك في الصّباح الباكر فأرسل من رجاله من أخذهما ودفنهما بعيدًا عن ديارنا.
ثم التفتت نحو ذلك الصّنم الذي أمامها وأكملت وهي تنحني إليه وتضم كفيها بعضهما ببعض: باركتك الآلهة أخي الغالي! باركك هُبل الأكبر يا صخر!
وجم الزُّهير مرة أخرى ثم تابع تساؤلاته: وأين دُفنت؟
- في أي خرابة في الصّحراء أو خلف الجبل لا يهم ولم أسأل عن مكانها من الأساس، هل تنتظر أن ندفنها وسط الأشراف وعليّة القوم؟! إنها مجرد جارية باغية لا تليق بنا، وأخيرًا قد ذهبت إلى الجحيم!
أنت تقرأ
By : Noonazad. ( إلى طريق النجاة )
Spiritualسنرجع للوراء مئات السنين إلى زمن الجاهلية وصدر الإسلام، كانت أسوأ شيء يخطر ببال أبيها وكثيرًا ما خشى أن يتحقق، نوى قتلها بلا ذنبٍ اقترفته سوى أنها جاءت أنثى. هربت بها أمها لتنجو بها... وتدور أيام وأيام وأحداث وأحداث... إلى طريق النجاة. ملحوظة...