بقلم نهال عبد الواحد
مر يوم بعد يوم وراحيل وعُمير في محبسهما لا زالا ينتظران قدوم أوس، ولم تكن تعاني بشدة من ذلك السّجن؛ فزبيدة كانت تدخل لهما الطّعام وتسمح لها بتبديل ملابسها وقتما تريد؛ حرصًا على صحة الجنين، هكذا تطلق حججها كلما عنّفها عبادة.
كان وجع راحيل ولا زال من بعاد الحبيب الذي طال، لم تظن يومًا أنها ستعاني من تلك المشاعر، بل كانت تنظر لأمها يوكابد أنها تبالغ في وهنها واشتياقها كلما ابتعد عمارة.
تساءلت داخلها متى ينتهي هذا الفراق وكأنها قد نسيَتْ الأمر الجلل الذي ينتظره، أحيانًا تثق بثباته وقوة إيمانه، وحينًا تشك في ضعفه أمام أبيه، وإن كان ليس ضعيفًا بطبعه، لكنها تنتظر رؤياه ولقاءه أيًا كان ما سيحدث، فقد هلكت روحها في بعاده، ومهما تظاهرت بالقوة والثبات فدمعها تبديه، ولسان حالها يقول أيها المعذّب الذي جُمعت فيك كل محاسن الخصال، فكأنك بالحُسن صورة يوسف وكأنها بالحزن مثل أبيه، ليتك تعود مسرعًا حرصًا على قلبها الذي تسكن وتقيم فيه.
وفي كل ليلة لم تكتحل العين بالنوم؛ ربما تجئ، وتسرح في فضائات التّمني ثم تفيق وبعدها تفتش عن ذكرياتهما.
كل ليلة تبيت دون أن يحويها مضجعٌ، ذلك الاشتياق قد جعلها كالثّوب المرقّع يقلبها وخزًا.
وأخيرًا جاء اليوم الموعود وعاد أوس كله شوق واشتياق لكلّ أهله، وإن كان اشتياقه إلى راحيل قد فاق كل الحدود.
دخل البيت فلم يجد أحدًا أمامه فلم يطيل في بحثه بل اتجه مباشرةً إلى حجرة عُمير بعد أن وجد حجرتهما فارغة.
دلف مهرولًا وخلفه عمّار فوجدها تجلس أرضًا يجاورها أخيها، وقد تفاجئا بمجيئهما.
انطلق أوس نحوها وعانقها بشدة وتعلّقت هي في عنقه؛ كانت بحاجة شديدة لهذا العناق، ربما تستعيد قوتها لتتمكن من الصّمود من ذلك المجهول.
ابتعد عنها قليلًا ولم يأبه لجلستهما هكذا، أطال النّظر في وجهها وقبّل كل إنشٍ فيه كأنه قد نسى أنهما ليسا وحدهما، مسّد على شعرها الطويل وفك قعصته فانسدل بنعومة على كتفيها وصدرها فقال بهيام:
غدائرها مستشزراتٍ إلى العلى
تضل العِقاص في مثنى ومرسل( أمرؤ القيس)
[ الغديرة: خصلة الشعر، مستشزرة: ملفوفة بعضها على بعض]
ثم تلمّس أنفها وقال:
وأقنى كحد السيف يشرب قبلها
تخــال بينهمــا أقنـى بـه شمـــم(معن ابن أوس)
[أقنى: أقنى الأنف أي تشبه الرمح في الإستقامة ]
ثم تلمّس ثغرها وقال:
بثغرٍ كمثل الأقحوان منــورّ
نقي الثنايا أشنب غير أثعل( أمرؤ القيس)
أنت تقرأ
By : Noonazad. ( إلى طريق النجاة )
Spiritualسنرجع للوراء مئات السنين إلى زمن الجاهلية وصدر الإسلام، كانت أسوأ شيء يخطر ببال أبيها وكثيرًا ما خشى أن يتحقق، نوى قتلها بلا ذنبٍ اقترفته سوى أنها جاءت أنثى. هربت بها أمها لتنجو بها... وتدور أيام وأيام وأحداث وأحداث... إلى طريق النجاة. ملحوظة...