(8)

601 34 46
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

انتهت يوكابد من إرضاع طفلتها وهدهدتها حتى نامت فوضعتها مجددًا في الفراش ثم نهضت واقفة تتجه بخطواتٍ متباطئة مترددة نحو مدخل الخيمة.

توقّفت قليلًا قبل أن تخرج ولا زالت لا تدري ماذا تفعل وماذا تخفي لها أيامها القادمة؟

تنهّدت قليلًا ثم فتحت المدخل وخرجت خارج الخيمة فوجدت ذلك الشّاب جالسًا أمام النّار المشتعلة، فسارت بضع خطوات وكان نسيم الليل يحرك ثوبها وبضع خصلات من شعرها قد تمردت وفرت خارج الضّفيرة فكانت ترفعهن من حينٍ لآخر خلف أذنها.

تنحنحت قليلًا فانتبه إليها الشّاب وأشار لها بالجلوس أمامه على صخرة ثم قدّم إليها إناء من الحليب لكن كان واضحًا فيه الدّسم؛ فلم يخففه هذه المرة، مع إناء به بعض التمرات، فتشاركا الطّعام والشّراب في صمتٍ تام.

كانت يوكابد تأكل على استحياء ولا زال بالها مشغولًا بما هي مُقدمةً عليه وترى ماذا سيفعل معها ذلك الإعرابي؟!

وبعد الانتهاء من الطّعام قالت يوكابد بصوتٍ متوتر تتتعتع فيه العربية: شكرًا جزيلًا سيدي.

فأطال النّظر إليها ثم تساءل: والآن ما حكايتك؟ من أين جئتِ؟!

فأومأت برأسها أن لا تعرف، فجعّد حاجبيه ثم تابع بتهكم: لا تعرفي من أين جئتِ! ولا تعرفي أيضًا تلك الوليدة ومن أين أتيتِ بها؟!

فأجابت بخوف: الأمر ليس هكذا سيدي، فقط لا أدري اسم تلك البلدة التي كنتُ فيها.

- تبدين من لسانك وملامحك أنّكِ غير عربية.

فأومأت برأسها قائلة: أجل سيدي؛ فأنا لستُ من أرض العرب.

- إذن ما حكايتك؟ وكيف آلت الأمور حتى وصلتِ إلى هنا؟!

سكتت قليلًا ثم قالت وهي تشرد أمامها تنظر إلى اللاشيء فهي المرة الأولى على الإطلاق التي يهتم أحدهم بالسؤال عن حكايتها: اسمي يوكابد، في الحقيقة أنا لا أعرف لي أهلًا، لا أدري من أبوايّ ولا من أي عائلةٍ أو بلدةٍ، كل ما أعرفه أني وعيت على هذه الحياة فوجدتُ نفسي أعيش كخادمة في بيت رجلٍ طيب يُدعى السّيد لاوي، في الحقيقة أنه كان يحسن إليّ كثيرًا ويتعامل معي بلطف، وكنتُ أصغر من أصغر بناته ببضعةِ أعوام، كنتُ أحيانًا أسمع روايات تُقال أنّي كنتُ لقيطة أمام إحدى أبواب المعبد، لكن لم يكن أحد يصدْقني القول أبدًا كلما تساءلتُ حتى مللتُ وانتهيتُ عن السّؤال؛ الذي في الأخير بلا فائدة!

كانت أصغر بنات السّيد لاوي تُدعى منسّا، كانت تحبني كثيرًا أو ربما... هكذا كانت أظهرت لي، حتى تقدّم لخطبتها أحد شباب الحي، كان شابًّا وسيمًا يُدعى بنيامين وكنتُ لا أزال طفلة لم أتمم التّاسعة من عمري بعد، حتى تزوجت وأصرّت منسّا أن تصحبني معها إلى بيتها الجديد؛ لأُعينُها في أعمال البيت وبالفعل قد أذن سيدي لاوي وعِشتُ معها هي وزوجها في بيت الزّوجية.

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن