(23)

430 30 23
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

اغتسل الجميع بالفعل وجلسوا معًا وبدأ عمارة يشرح لهم كيفية الصّلاة وبعض تعاليم الدّين والآيات القرآنية التي تعلمها على يد أحد المسلمين.

كانوا يستجيبون له بسعادة وترحاب وكان عمّار يساعد أبيه في تعليم أخوته، ومرت الأيام وعاشوا كأسرة مسلمة أخيرًا قد علمت كيف تعبد الله وتدعوه وتتلوا آياته وكيف هو الطّريق إلى النّجاة بحق!

كان المنتظر أن تحيا يوكابد في سلام وراحة نفسية، لكنها رغم ذلك لم تزداد إلا قلقًا وتوجّسًا كأنما هناك مصيبة تنتظرها تلازمها في كوابيسها التي تنهض مفزوعة منها ولا يعاودها النّوم مرة أخرى.

وذات ليلة كانت يوكابد تتململ في نومتها وبدأ جسدها يرتعش ويتشنّج حتى نهضت فجأة مفزوعة تبكي بحرقة، تضع يديها على فمها لتكتم شهقاتها.

نهض عمارة مفزوعًا هو الآخر بسبب فزعتها تلك رغم اعتياده عليها الشبه يومي!

كانت يوكابد ترتعش بشدة ووجهها يتصبب عرقًا، فضمها عمارة إليه وكفكف دمعها بيده وأخذ يربت عليها ويمسّد على رأسها ويهمس: اهدئي يوكابد اهدئي عزيزتي، أنتِ بخير، لم يحدث شيء.

كانت لا تزال تنتفض وتمسح وجهها بيديها المرتعشتَين فيمسحه هو بيده ويربت على يدها، ثم تساءل بلهفة وصوتٍ خافت: أهو نفس الوحش الذي يركض خلفك كل ليلة؟!

فأومأت برأسها تؤيده ثم همست بصوتٍ متحشرج من البكاء: أشعر  باختناق، رجاءً أريد المكوث في الهواء.

- لكن الآن الهواء مائل للبرودة، أخشى عليكِ.

فصاحت بإلحاح وتوسل: أرجوك!  أشعر بغصّة ستقتلني، أريد أن أتنفس، أريد الهواء...

- حسنًا حسنًا! سأفعل، هيا انهضي معي.

فأمسك بيدها وهو ينهض واقفًا وبيده الأخرى يحاوط خصرها ويجذبها إليه لتظل داخل حضنه، سار بها بضع خطوات ثم سحب عباءته المعلقة.

خرجا معًا من الخيمة وجلسا أرضًا أمام النّار ودثرها بعباءته وأخذ طرفها ووضعه على كتفه أيضًا ولا زال يضمها إليه بقوة ويربت عليها تارة ويمسّد تارة ثم يقبل جبهتها بعمق وبعدها يمسّد جانب وجنتيها بلطف ثم يعبث بطرف ذقنها ويسألها: كيف صرتِ الآن حبيبتي؟

فأومأت برأسها وقالت بتنهيدة: أحمدُ اللّه!

فقبّل وجنتها وتابع بتنهيدة هو الآخر: لو أعلم ماذا أصابك أو أي لعنة قد حلت عليكِ؟!

فزفرت بتوتر قائلة: لا أدري بحقٍ ماذا دهاني؟! المفترض أن أكون في أحسن حال؛ عاصرنا نبي آخر الزمان وآمنا به، ويمكننا رؤيته ولقائه، قد صرنا في طريق الله إلى طريق النّجاة.

- إذن لن يخذلنا الله أبدًا.

- فلماذا إذن حُرمت من الرّاحة والتّنعم بنومة هانئة؟! تُرى ما هذا الوحش الذي يطاردني في رؤيايّ ويهاجمني وكأنه يقتلع روحي، أشعر بقلبي سيفر من صدري وغصّة تضيق بحلقي فلا أستطيع التّنفس، ضجة كبيرة تصرخ في رأسي دون توقف، تُرى ما تأويل كل هذا؟!

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن