_ الفصل الأول_

52.7K 893 22
                                    


فى سماء زرقاء ترسل الشمس الباسمة شعاعها رفيقاً فوق المروج الخضراء وكأنها تقول لم يشعر بالبرد احتمى تحت شعاعى حتى ادفى جسدك البارد ، وبالفعل كان هناك من يجلس تحت شعاعها شاردا الى الحد الذى جعله غافلاً عن العالم بما حوله متذكرا ما مر به من شهور ماضية قليلة .....

كان جالساً داخل مكتبه الذى يحتوى على اريكة من اللون البنى بجلد اصلى ومنقشة ببعض الزخارف ذات الطراز العصرى وسجادة صغيرة تتوسط فى وسط الغرفة من اللون الحرارى ومكتبه ذات اللون الاسود منقوش بزخارف زادت من جماله ومقعده الذى يشبه لون الاريكة ...كان واضعاً رأسه بين راحتى يديه ، قلبه يسحق تحت الاسى والشجن ، متهجم الوجه .. واذا به يسمع بضجيج مرتفع بالخارج وكأنه صياح ونواح احد السيدات ، رفع رأسه عن راحتى يديه وتقلصت عضلات وجه الى السخط الشديد وبرزت عروق وجه ، ثم وثب واقفا وقاد خطواته الواثبة نحو الخارج وبمجرد ماخرج من مكتبه ووقف امامهم بهيبته المعتادة صمت الجميع عن الكلام وعم الصمت لثوانى معدودة ، قطع ذلك الصمت صوته الجهورى وهو يهتف :
_ ايه شغل الحوارى اللى انتو عاملينه ده .. اللى هاسمعها بتصوت تانى ليلتها زى الطين .. فاهمين ولا لا

دار بنظره بين اخوته الثلاثة كانت واحدة منهم هى التى تصيح باكية والاخرى تجلس فى احد الاركان وتبكى بصمت واخيه الاخر بقف صامتا كالصنم .. ثم اخيرا انتبه الى تلك المرأة التى تتجاوز الخمسين عام التى تقف بجانب اخته ...

تمتم بغطرسة واضحة محدثا اخته :
_ مكنش له لزمة الشويتين اللى عملتيهم دول ياصفا ، انا اكتر واحد عارف كويس انك عمرك فى يوم ماحبيتى ابوكى اصلا

صاحت به منفعلة :
_ ايه الكلام الفارغ اللى بتقوله ده !

اصدر زفيرا بخنق بينما تلك المرأة هرولت اليه وعانقته قائلة بشوق مزيف :
_ وحشتنى اوى يابنى .. ليا قد ايه مشوفتكش ولما اشوفك ، اشوفك فى عزا ابوك

ابعدها برفق عنه وهو يتأفف محتقنناً :
_ فكرانى مصدق الكلام ده ... ثم اشار بأصبعه على اخوته وهو يهتف ساخرا :
_ شكل البهوات لسا ميعرفوش الحكاية تحبى اقولهم 

غمغمت متعجبة :
_ تقولهم ايه !!؟

اجابها مستنكرا :
_ معقول متعرفيش يابهيرة هانم ... مش مشكلة تعرفى دلوقتى لما اقول كل حاجة

انتشله من شروده صوت احد الخدم وهو يهتف معتذرا بنبرة مضطربة :
_ مصعب بيه اسف لو كنت ازعجتك بس الفطار جاهز

حدق به بصمت للحظات وجيزة ثم هب واقفا بقامته الطويلة والقوية وجذب سترته ثم قال وهو يلوح بيده بلهجة امر غير مباليا وهو يسير تجاه سيارته :
_ خليهم يشيلو الاكل مش هاكل

تمتم الخادم قائلاً :
_ تحت امرك يابيه

                    ***

رواية ( انقضاض الأسود ) الجزء الأول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن