الدفئ والامان كلمتان غريبتان عليه .. لم يعرفهما قط .. قضى عمره بين الرصاص والدماء والصفقات المشبوهة فتشوهت كلمة الامان وبرحيل والدته فقد الدفئ فأصبح رغم القصور والاملاك التي يملكها فقير القلب .. يفتقد احساس الاسرة .. احساس ان يحبك احدهم بلا هدف سوى لأن قلبه يدق من اجلك .. ينبض بأسمك .. يحيا معك وبك .. ذهب معها لمنزلها القديم .. جدران يظهر عليها الزمن واثاث بسيط غير فاخر .. بيت اقل بكثير مما اعتاد عليه .. ليس به ثرايا ذهبية باهظة الثمن ولا تحف ولا سفرة طويلة تكفي شخصيات يكاد لا يتذكر اسماءهم من كثرة العدد ولكن هذا البيت البسيط به شئ دافئ ومريح .. شئ يحتل روحه التي ظن انها فارقت جسده ولكنه اكتشف انها مازلت مختبئة بمكان ما بداخله .. تخرج عندما يراها .. يشعر بنفسه وكأنه طفل صغير لم يرتكب إثماً .. طفل يتبع امه اينما ذهبت .. لا يعرف كيف اخبرها برغبته في المجئ معها هي وعمر لذلك المنزل .. وكأن قلبه هو من تحدث قائلاً اينما ستكون وجهتك ستكون وجهتي .. يجلس بصمت قاتل بجانب محمد الذي يعبث هو الآخر بهاتفه ولا يعرف كيف يتحدث مع هذا الرجل .. سمع الكثير عنه بحكم عمله .. فمن لا يعرف عاصي الزيان الملقب بالوحش .. الكثير من اصابع الاتهام موجهة إليه ولكن ليس هناك دليل واحد عليه .. يسترق النظرات له وهو يحاول ان يحكم عليه حسب نظرته .. أهو فعلاً مجرم .. أهو من قام بقتل الكثير والكثير .. أهو من هرب صفقات الاسلحة والممنوعات .. لا يعلم لما يشعر بأنه ليس مذنباً .. لا يعلم أهو يراه كما هو ام كما يتمنى ان يكون لأجل جميلة وعمر .. قطع حاجز الصمت صوت ابتسام التي خرجت من المطبخ وهي تبتسم ابتسامتها البشوشة
ابتسام(وهي تنظر لعاصي): نورت يا ابني والله
عاصي(بابتسامة بسيطة): احم .. بنورك يا حاجة
ابتسام: العشا نص ساعة ويكون جاهز
عاصي: ماكنش له داعي التعب دا ..(ثم صمت قليلا ليردف بارتباك).. هي جميلة فين؟
ابتسام(وهي تشير لأحد الغرف): مع شروق في اوضتها وعمر مع روضة بيلعبوا في الاوضة دي
عاصي(وهو يهز رأسه بهدوء): تمام
////////////
شروق(بذهول): انا مش مصدقة اللي انتي بتقوليه دا .. ايه يا بنتي المغامرات دي .. دا ولا الروايات
جميلة: روايات ايه بس .. انا حاسة اني خايفة اوي
شروق: خايفة من ايه بس
جميلة: من اللي حساه .. خايفة احبه .. تعرفي اني قولتله انا بحبك
شروق(بصدمة): قولتيله؟!!!!!
جميلة: اه بس هو كان في البنج في الرعاية ف ماسمعنيش .. مش عارفه اذا كنت قولتها من خوفي عليه وقتها ولا فعلا حبيته
شروق: طب وانتي حاسة ايه؟
جميلة: حاسة اني متلغبطة .. كل ما بكون قدامه بحس بقلبي بيدق جامد كأنه هيخرج من صدري .. بحس ان نفسي بيتقل .. بحس اني عايزة اهرب منه واستخبى في حضنه في نفس الوقت .. كل ما بيقرب مني او بيلمسني بحس ان جسمي كله بيتكهرب كأن سلك كهربا لمسني
شروق: يالاهوي يا جميلة دا انتي حالتك حالة
جميلة: اومال انا جيتلك ليه .. كان نفسي ابعد يومين علشان افكر لاقيته جه معايا
شروق(بغمزة): مش قادر على بُعادك يا قمر
صمتت جميلة وسرحت قليلاً لتردف شروق بهدوء
شروق: سيبها على ربنا واديله فرصة .. مش جايز يكون ربنا جعلك سبب انك تظهري في حياته انتي وعمر وتغيروها للاحسن
جميلة(بتردد): تفتكري هقدر؟
شروق: لوحدك لأ .. انما لو هو عايز يتغير وكان معاكي يبقى افتكر جدا
جميلة(بابتسامة وهي تربت على بطن شروق): سيبك مني دلوقتي بقا وقوليلي اخبار قلب خالتو ايه؟
شروق: مطلع عيني يا بنتي
جميلة(بضحك): هو لحق يا مفترية
شروق: مادي المصيبة انه مالحقش .. مفيش لقمة بتستنى في بطني ودوخة اوڤر بقا وكل دا وانا في اول شهر اومال لما اوصل للاخر هيبقى حصل فيا ايه
جميلة(بمزاح): هتنكشي شعرك وتمشي تقولي كتاكيييييت
شروق(بضحك): ههههههه تصدقي صح .. تعالي بقا نخرجلهم ل احسن بقالنا كتير هنا وزمان محمد اكل سي عاصي بتاعك
خرجت جميلة وشروق ليجدوا حاجز الصمت مازال قائما لا يقطعه سوا صوت ابتسام التي تتحدث تارة مع محمد وتارة مع عاصي ولكن لا يتحدث محمد وعاصي ابدااااا
ابتسام(بابتسامة بشوشة): اهلا يا جميلتي .. ايه يا بت انتي اخدتي صاحبتك وخلعتوا وسيبتوني مع جوز البط البلدي دول
انصدم عاصي من جملة ابتسام العفوية وارتعبت جميلة من ان يتهور عاصي لتنصدم حين وجدته يضحك بشدة ضحكته التي زلزلت قلبها ليشاركه الضحك محمد وهو ينظر لأمه العشرية ذات الروح الطيبة لتضحك جميلة وشروق أيضاً
ابتسام(بنبرة حنونة): ربنا يديم ضحكتم يا ولاد .. يلا انا هقوم احضر العشا
جميلة(بابتسامة): واحنا هنساعدك يا بسبوسة
شروق(مدعية العبوس): بت انتي انا بس اللي اقول لماما يا بسبوسة
جميلة(بنبرة حادة يشوبها المزاح): لا بقولك ايه انا بنتها قبلك ف لمي الدور يا حلوة
شروق(بضحك وهي ترفع يديها مستسلمة): خلاص يا شبح احنا اسفين
تحركت جميلة وشروق مع ابتسام للمطبخ تاركين محمد وعاصي وحدهم مرة اخرى .. كاد الصمت ان يسود الأجواء من جديد ليمنعه محمد حين اردف
محمد: ماتزعلش من ماما .. هي بس عشرية وبتاخد عالناس على طول
عاصي(بابتسامة بسيطة): مازعلتش بالعكس انا حبيتها .. ربنا يخليهالك ..(ثم اردف بنبرة يشوبها الحزن والكسرة).. شيلها في عينيك واوعى في يوم تزعلها .. انت في نعمة غيرك يتمناها
محمد(وقد فهم انه يتحدث عن امه): ربنا يرحمها
عاصي: امين يا رب
محمد(بارتباك): اااا .. مش عايزك تزعل كمان من اخر مرة جيتلك فيها البيت .. جميلة جارتي ومن يوم ما اتجوزتك وانا بعتبرها اختي
عاصي(وهو ينظر له نظرة ذات مغزى): وانت ماتزعلش اذا كان اسلوبي كان رزل شويتين يعني
محمد(بابتسامة): كفايا اعتذارات بقا .. نبدأ صفحة جديدة
عاصي(بابتسامة مماثلة): وانا موافق
محمد: على فكرة انا نسيت اباركلك على جوازكم .. مبروك
عاصي: الله يبارك فيك .. ومبروك ليك مرتين .. مرة للجواز ومرة للطفل
محمد: الله يبارك فيك بس عرفت منين حكاية الطفل؟
عاصي: من جميلة
محمد(وهو يقف): ماشي يا عم .. قوم بقا معايا
عاصي(وهو يضيق حاجبيه): على فين؟
محمد(بتلقائية): ننزل نصلي العشا .. خلاص فاضل عليها ١٠ دقايق .. عقبال ما يحضروا العشا نكون صلينا
دق قلب عاصي بعنف .. يصلي .. يقف بين يدي الله .. هل يستحق ان يقف بين يديه .. هل تُقبل صلاته
محمد(وهو يلاحظ سرحانه): عاصي .. عاصي
عاصي(بانتباه): ها .. ايوه
محمد: ايه مش هتقوم؟
عاصي(بسرعة وارتباك): لا .. لا ه هقوم .. هقوم اكيد
محمد: طب يلا بينا .. تتوضى هنا ولا في المسجد؟
كاد عاصي ان يجيب لتخرج جميلة وشروق وهم يضعوا بعض الاطباق والشوك والملاعق على السفرة
شروق: ايه دا، مالك واقف كدا ليه يا حبيبي؟
محمد: مفيش هنزل انا وعاصي نصلي العشا في المسجد ونيجي على طول
نظرت جميلة ناحية عاصي ولمحت الارتباك مرسوم على ملامحه لتردف
جميلة(بابتسامة بسيطة): طب اسبقه انت يا محمد عقبال ما يتوضى ويحصلك
محمد: خلاص هستناك تحت البيت، تمام؟
عاصي: تمام
تحرك محمد مغادراً وتحركت شروق للمطبخ تاركة مساحة للخصوصية بينهم .. اقتربت جميلة واردفت بارتباك
جميلة: لو مش عايز تنزل ممكن اقوله جالك مغص و..
عاصي(بسرعة ودون تفكير): لأ .. هنزل اصلي
دق قلب جميلة فرحاً ولمعت عينيها بطبقة خفيفة من دموع الفرح لتردف بنبرة يشوبها الكثير من السعادة
جميلة: طب قوم معايا علشان تتوضى
تحرك عاصي مع جميلة ناحية الحمام .. وقفت جميلة امامه ليُصيبه الذهول حين وجدها تبدأ في الوضوء أمامه وتريه الحركات .. نظر لها فأدعت انها هي الاخرى تريد الوضوء حتى تصلي .. ارتسمت ابتسامة بسيطة على شفتيه وقد كشف كذبتها البيضاء فأخذ يراقبها كيف تتوضئ وخاصة انها كانت تتوضئ ببطئ حتى يتسنى له حفظ الحركات .. ما ان انتهت حتى اسرع هو بتقليد حركاتها والوضوء مثلما فعلت هي واخذت هي تراقبه وهي تتدعي انها تجفف يدها بالمنشفة .. ابتسمت بسعادة وقد سرحت به وتخيلت كونه قد تاب وعاش معها ومع عمر حياة هادئة وبسيطة .. لن تتمنى اكثر من ذلك
عاصي(بابتسامة وهو يلاحظ سرحانها به): على فكرة انا خلصت وضوء
جميلة(بانتباه وخجل): ها .. اه .. طب انت ..(ثم اردفت بارتباك).. يعني عارف هتصلي ازاي؟
نظر لها عاصي بقلب يدق بسعادة لاهتمامها لتنظر له وتردف
جميلة: بص انت اول حاجة هتقول الله اكبر وبعدين هتقرأ الفاتحة و..
عاصي(مُكملاً بابتسامة هادئة): سورة صغيرة وبعدين هركع وبعدين هسجد
نظرت له جميلة بصدمة ليردف وهو ينظر لعينيها بعيون لامعة
عاصي: كنت بشوفك كل يوم وانتي بتصلي بس كنت بعمل نفسي نايم
صمتوا قليلاً وتعانقت النظرات بينهم لتردف جميلة بهدوء
جميلة: طب يلا بقا انزل صلي .. على فكرة العشا جهراً يعني مش هتقرأ السورة الصغيرة وهتسمع الامام وهو بيقرأها
عاصي(وهو يهز رأسه ويتحرك لخارج الحمام): تمام .. عايزة حاجة؟
جميلة(بتلقائية): سلامتك
لف وجهه لها بدقات قلب متواثبة من كلمتها العفوية التي جعلت قلبه يتراقص بسعادة بينما خجلت هي وهربت بعيونها كالعادة .. تحرك عاصي مغادراً بقلب يرتجف مع كل خطوة يخطيها للمسجد .. نعم يرتجف قلبه خشية من اللقاء الذي تأجل ٢٠ عام .. ٢٠ عام لم يفكر مرة ان يقف بين يديه .. ٢٠ عام لم يفكر ان يقرأ آيه من كتابه المقدس علها تغفر له .. هل لم يكن يريد ام كان الله يكره لقاءه فلم يُذكره به .. سؤال دار بعقله وهو يتحرك بجانب محمد في اتجاه المسجد الذي لم يفكر يوماً بدخوله ولكنه اليوم والآن يتحرك بإرادته نحوه .. بإرادته يريد ان يقف بين يدي الله عساه يهدي قلبه ويعيده للطريق المستقيم فيعم النور حياته وتهدأ روحه الملتاعة فسبحانه وتعالى قال (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وسبحانه القادر على تهدئة القلوب وبث السكينة بها
////////////
بغرفة الملاكمة الخاصة به نجد جسده القوي يتصبب عرقاً بشدة من فرط قوة ضرباته .. يسدد لكمات وركلات قاتلة لكيس الملاكمة المعلق امامه ربما لو كان شخصاً لفارقت انفاسه صدره منذ الضربة الاولى منه .. تزداد النيران بصدره فيزيد من قوة ضرباته وكأن الذي امامه ليس كيس ملاكمة وإنما القدر الذي فرقه عن من ينبض القلب بأسمها وينزف الدماء من فراقها .. يتوقف بعدما احتدت انفاسه واصبحت دقات قلبه متواثبة بشكل مخيف .. يمسك منشفة ليجفف عرقه عن صدره العاري وعضلات بطنه .. نلمح وشم مرسوم على جانبه الايسر .. يمرر اصابعه عليه وهو يغمض عينيه بشدة .. كم من ليالي مرت عليه وهو يتخيل اصابعها الرقيقة تلمس هذا الوشم .. يقبض على يده بقوة حتى برزت عروقه عندما تذكر ان كل احلامه تلك تحطمت على صخرة الواقع الأليم الذي فرق بينه وبينها .. ما اصعب ان تتحول ذكرياتك واحلامك إلى علقم مر يحتل حلقك ولا يفارقه فهل سيبقى هذا المرار طويلاً ام سيبدأ في التلاشي امام عذوبة وحلاوة قرب الحبيب
/////////////
الإمام: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .. السلام عليكم ورحمه الله
نطق بها الإمام وكررها المصلون وراءه بألسنتهم ولكن هو كان يكررها بقلبه من قبل لسانه .. احساس بالراحة الغريبة احتل قلبه .. وجد نفسه يجلس مكانه غير قادر على التحرك وكأن روحه لا تريد المغادرة .. لا تريد ان تفقد ذلك الاحساس .. لا تريد ان تفارق بيت الله الملئ بالأمان والدفئ .. انتبه حين وجد يد تمتد امامه ولم تكن سوا يد محمد الذي اردف بهدوء (تقبل الله) .. صافحه عاصي ولم يرد سوا بابتسامة فهو لا يعرف ماذا يقول في هذا الموقف الذي لم يُوضع فيه من قبل
محمد(وهو يقف): يلا بينا بقا زمانهم حضروا العشا ومستنينا
تحرك عاصي مع محمد .. يمشي ببطئ وهدوء يحتل روحه .. يشعر انه لا يريد الكلام .. لا يريد ان ينطق بكلمة حتى لا يخرج من تلك الحالة التي يشعر بها
محمد: معلش ثانية واحدة
قالها محمد قبل ان يتحرك ناحية احد الاكشاك الصغيرة التي تحتوي على بعض الحلويات والمقرمشات
محمد: سلام عليكم يا عم سليمان
سليمان: عليكم السلام و رحمه الله و بركاته يا محمد يابني .. اخبارك واخبار الحجة وروضة ومراتك
محمد: كلنا بخير يا راجل يا طيب .. ها بقا قولي ماجيتش تصلي معانا العشا النهاردة ليه؟
سليمان(بنبرة حزينة): معلش يابني والله لسة نازل اصل الواد علي كان تعبان شوية ولسة جايبله العلاج .. ادعيله
محمد: ربنا يشفيهولك انت وسته وما يحرمكم منه
سليمان: امين يا رب .. دا هو دا اللي باقيلنا من ريحة سليم
كادت عيون الحاج سليمان ان تخونه وتفضح دموعه على ولده الحبيب الذي فقده ولم يتبقى من رائحته سوى ابنه علي الذي يعتبره جوهرة يحافظ عليها بحياته
محمد(وهو يلاحظ الدموع اللامعة بعيون سليمان): صلي عالنبي يا عم سليمان وفوق كدا .. يلا بقا اديني شنطتين حلوين علشان عايز اشتري كام حاجة
ضحك عم سليمان وهو يردف بنبرة ذات مغزى
سليمان(بابتسامة بشوشة): جدع ههههه انا برضو ماكنتش برجع البيت إلا لما اجيب لأمينة حلويات هههههه
محمد(بضحك): ههههه يا عم سليمان يا شقي انت يا اللي عارف كل حاجة
سليمان: ربنا يهدي سركم يابني
قالها سليمان وهو يناوله شنطتين ليبدأ محمد في اختيار بعض الحلويات والمقرمشات لشروق وروضة .. ابتسم عاصي وهو يرى حواره مع سليمان .. يراه شاب طيب لا يستحق ان يُقتل مثلما يريد الكثير ومثلما كاد هو ان يفعل .. انتهى محمد من اختيار الحلويات واخرج بعض النقود ليحاسب سليمان .. كاد بالتحرك ليجد عاصي يقترب منه ويبدو عليه التردد ليبتسم وهو يقول لسليمان
محمد: معلش يا عم سليمان هات كمان شنطة
نظر عاصي له وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيه وأحس بالحرج حين انكشف امره ورغبته بأن يفعل مثله ويشتري لجميلة وعمر بعض الحلويات .. وقف امام الحلويات حائراً وهو يمسك بالشنطة لا يعرف ماذا يختار ليقوم محمد بمساعدته في اختيار الحلويات التي يفضلها عمر وفي شنطة اخرى وضع ما تفضله جميلة وأكثر عاصي من وضع الشيكولاتة بالبندق ليبتسم محمد على فعلته .. انتهى عاصي هو الاخر من شراء الحلويات وأخرج من جيبه حفنة كبيرة من النقود ليقدمها لسليمان وهو يبتسم بهدوء
سليمان(وهو ينظر للنقود): يااااه يابني .. دا كتير اوي
عاصي(بهدوء): مش كتير على راجل طيب زيك
سليمان(بتردد): ايوة بس ...
عاصي: مابسش .. اعتبره بدل زيارة ل علي .. ربنا يشفيهولك
سليمان: تسلم يا ابني .. ربنا يكرمك و يوسع عليك ويريح قلبك قادر يا كريم
ابتسم عاصي حين استمع لتلك الدعوات الطيبة التي لا تساويها كنوز الارض كلها
محمد: اخدتلك دعوتين من عم سليمان ابسط يا عم .. يلا بقا ل احسن لو اتأخرنا اكتر من كدا جميلة ممكن تشك ان حد فينا قتل التاني
ضحك عاصي وتحرك مع محمد وهو يحمل الشنط المليئة بالحلويات والمقرمشات التي ربما ستسعد قلب ينبض سراً بعشق للوحش الذي بدأ في التعافي من كونه وحشاً
///////////////
في منزل محمد كانت جميلة تزرع الارض ذهاباً وإياباً من فرط حركتها وتوترها
جميلة(بتوتر وهي تدعك كفيها ببعضهما): اتأخروا ليه! مين قتل التاني .. هو عاصي قتله اكيد .. ولا محمد هو اللي قتله .. طب وانا دلوقتي كدا بقيت ارملة .. اه يا صغيرة عالهم يا جوجو .. اه يا جميلة يا منمنمة يا سمسمة ياللي اترملتي بدري .. طيب هي الجثة فين؟! .. طب يا ترى البوليس هيجي امتى؟!
شروق(بضجر): يا بنتي اتهدي بقا دوختيني
روضة(بتلعثم طفولي): اقعدي بقا انا ثدعت (صدعت) منك .. فيه ايه يا حجة
جميلة(وهي تنظر لروضة): بس يا ولية يا اوزعة انتي لما اشوف الهم اللي انا فيه .. شروق كلمي محمد تاني
شروق: والله كلمته يا بنتي كنسل
جميلة(بدرامية): يبقى قتله وهرب .. اه ياني ياما
عمر(وهو ينظر لجميلة): خالتو انتي اوڤر اوي
جميلة(وهي تجلس): بس يلا ..(ثم وقفت مرة اخرى).. لا انا مش هقعد كدا انا هيجرالي حاجة .. انا هنزل ادور عليه
شروق: تدوري على مين هو عيل تايه؟!!!
كادت جميلة ان ترد ولكن قطعت كلامها عندما استمعوا لصوت محمد الذي يطرق على الباب .. تحركت روضة مسرعة لتفتح الباب وهي تقف على أطراف اصابعها الصغيرة لتصل للمقبض .. ما ان فتحت روضة الباب حتى صرخت بفرح وهي تتعلق بقدم محمد بجانب اكياس المقرمشات
محمد(وهو يكاد يتعثر بسبب روضة): اوعي يا بت هقع
روضة(وهي تتمسك برجله اكثر): هات ثنطتي (شنطتي) وانا اوعى
محمد(وهو يهز رجله ويحاول التوازن): يا بت يخربيت فقرك هتكعبل
شروق(وهي تقترب منه بلهفة): اوعي يا رودي ثانية وهجيبلك الشنطة والله
وقفت روضة ليعتدل محمد بوقفته وهو يبتسم على لهفة شروق عليه والتي كانت واضحة بصوتها
شروق: اتأخرتوا كدا ليه؟!
محمد(بغمزة): كنت بجيب الامانة يا جميل ..(ثم رفع يده بإحدى الشنط ناحية شروق).. اتفضلي يا ستي دي شنطتك ..(وانخفض لمستوى روضة وهو يعطيها الشنطة الثانية).. ودي شنطتك يا رودي
روضة(وهي تطبع قبلة على خده): حبيبي يا حمادة
شروق(بخجل): شكراً
محمد(بنبرة عابثة): حاف كدا
شروق(بتحذير): اتلم فيه ناس
محمد(بغمزة وابتسامة عابثة): خلاص هجيلك المطبخ نتحاسب
شروق(بخجل شديد وهي تتحرك): قليل الادب
محمد(وهو يهندم ملابسه ويتحرك خلفها): عن اذنكم هروح احضر الاكل مع شروق
تحرك محمد وراءها تاركاً عاصي وجميلة بالصالة وكل منهم يبتسم بداخله على همساتهم التي سمعوها .. كم تمنى كل منهم ان تكون حياتهم بسيطة مثل محمد وشروق .. حياة بسيطة مع من امتلك نبضات القلب وسلام على الدنيا وما فيها .. تحرك عاصي ناحية عمر
عاصي(وهو يقدم له الشنطة): اتفضل يا عمر باشا
عمر(بدهشة): دي عشاني!!
عاصي(وهو يهز رأسه بابتسامة): ايوة
عمر(بفرحة وهو يحتضنه): شكراً يا عموووو ..(ثم همس بأذنه بصوت منخفض ولكنه مسموع).. على فكرة خالتو كانت خايفة عليك لما اتأخرت وكانت هتنزل تتدور عليك
قالها عمر وجرى ناحية غرفة روضة بعد ان اختطف شنطة المقرمشات الخاصة به تاركاً تلك الجميلة ذات الوجه المشتعل من اثر ما سمعت عمر يقوله لذلك الوحش الذي ينظر لها بعيون تلمع بضياء العشق المتشعب بداخل قلبه .. وقف عاصي وتحرك ناحيتها بخطوات محسوبة ومع كل خطوة منه كانت ضربات قلبها تزيد بشكل كبير فأحست انه يسمعها من قوتها
عاصي(وهو ينظر لها بعيون لامعة): صحيح خفتي عليا؟
جميلة(بارتباك): اااا انا .. هروح احضر معاهم العشا
عاصي(وهو يمسك يدها ويقترب منها): خفتي عليا؟
جميلة(بتوتر منه ومن لمسته): عاصي
اللعنة على عاصي! اللعنة على اسمي الذي لم اعرف مدى حلاوته إلا عندما نطقت به شفاهك .. شفاهك المُهلكة لي ولطاقة تحملي .. اقسم بداخله بكل ما هو مقدس انه لو كان يصارع وحشاً ضارياً لم يكن ليشعر بالتعب كما يشعر من حربه الدائرة بصدره ليتحكم بوحوشه الجائعة لها .. عينيه تفترسها وكأنه يتناول تفاصيلها قضمة تلو الاخرى بتلذذ وهي تقف امامه لا حول لها ولا قوة .. اجبر نفسه على الخروج من تلك الحالة ليرفع يده بالشنطة الثانية من الحلويات ويقدمها لها
عاصي: دي علشانك
جميلة(بدقات قلب متواثبة): علشاني انا؟!!!!
تعلقت الانظار بلقاء طويل .. لقاء صامت عجزت فيه الكلمات عن وصف مدى الشوق والحب الكامنين بداخل كل منهم فكانت لغة العيون افضل من يتكلم .. كانت نظراته تهمس لها بالتوقف عن مغازلته بذلك الشكل وإلا سقط في جحيم احضانها مستشهداً رامياً كل الاعتبارات بعرض الحائط وكأن احتضانها اخر ما سيفعله وبعدها يموت ولن يندم لحظة .. اما هي فكانت تقف امامه وقد اعلن من يسكن اضلعها عصيانه على اوامرها الظالمة التي تأمره بأن يبتعد عن الوحش .. كيف له ان يبتعد عن من امتلك الروح والقلب .. كيف يهرب منه .. كيف لا يخفق له .. كيف يخضع للعقل اللعين .. يقول العقل توقف عن حبه .. توقف قبل ان تنكسر ولكن ما من مجيب .. يأبى القلب ان يستمع .. يأبى ان يخضع له .. سيحبه .. سيعشقه .. سيهيم به عشقاً .. سيغادر اضلعها مطالباً بعناق قلبه .. فهو لم يعد قلبها الذي تستطيع التحكم به وإنما بات قلب الجميلة الذي نبض للوحش
كاااااااااااااااات .. كفاية كدا النهاردة
أنت تقرأ
جميلة عشقت الوحش 🤍🖤
Romanceجميلة عشقت الوحش 🤍🖤 بقلم حورية الإبداع/ حنين عماد💜✨ قاسي, متملك, قلبه مظلم .. أسهل شئ في حياته القتل .. رغم ثروته التي لا تُعد والقصور والسيارات التي يمتلكها إلا ان قلبه فقير .. فقد أخيه الوحيد ليزداد أنغماسه في مستنقع أبيه المُظلم .. فـ هل ستسطي...