الفصل الثالث 💥💥💥

9.7K 324 17
                                    


فتحت جميلة عينيها بهدوء وهي تقاوم الصداع الذي يدق برأسها .. تضرب الاضاءة عينيها لترمش أكثر من مرة بأهدابها الطويلة حتى تستطيع رؤية ما حولها .. اقتربت منها الحاجة ابتسام التي أخذت تتمتم
الحاجة ابتسام: الحمد لله على سلامتك يا حبيبتي .. كدا تخضينا عليكي برضو يا جميلة
جميلة(وهي تمسك برأسها): هو ايه اللي حصل؟
الحاجة ابتسام: ماعرفش يا حبيبتي انتي فجأة وقعتي عالسلم ماحطتيش منطق راح محمد شالك ودخلناكي هنا
تسارعت انفاس جميلة عند ذكر اغماءها .. اذا لم تكن تحلم .. كان هنا بالفعل
جميلة(بلهفة): عمر فين؟
الحاجة ابتسام: برة مع عمه يا حبيبتي
انتفضت جميلة من على السرير وهي تصرخ بأسم عمر
جميلة(بصراخ وخوف): عمررررررر يا عمررررر
الحاجة ابتسام: اهدي يا حبيبتي .. لا إله الا الله مالك بس
فتحت جميلة الباب واندفعت كالصاروخ ناحية الصالة لتجد عمر يجلس بجانب عاصي الذي ثبتت انظاره عليها ما ان خرجت من غرفتها .. عيناه السوداء التي تسكنها نظرة باردة كالجليد بثت القشعريرة بجسدها
عمر(بابتسامة): خالتو .. انتي قومتي اهو .. يلا بقا علشان تيجي معايا
جميلة: اجي معاك فين؟
عمر: عمو عاصي قالي انه هياخدني معاه في بيته .. دا عنده بيت كبير يا خالتو وفيه لعب كتير
نظرت جميلة بغضب ناحية عاصي وهي تردف
جميلة: طب ادخل دلوقتي اوضتك يا عمر وانا شوية وهاجيلك
عمر: انا عايز اقعد مع عمو عاصي
جميلة(بانفعال بسيط): قولتلك ادخل دلوقتي يا عمر
الحاجة ابتسام(وهي تلاحظ نبرة جميلة): تعالى يا حبيبي ندخل نجهز هدومك سوا عقبال ما خالتو تخلص وتحصلنا
عاصي(وهو يقف ببرود): مالهاش لازمة اي هدوم .. انا عايز عمر بس
جميلة(بغضب): يعني ايه عايز عمر هو كيلو طماطم!!
سحبت الحاجة ابتسام يد عمر ودلفت لغرفته حين احست ان القادم من الحوار لا يجب ان يسمعه طفل صغير .. ما ان اغلقت الحاجة ابتسام باب غرفة عمر حتى نظرت جميلة لعاصي الذي يقف ببرود ويرمها بنظرة تجهل ماهيتها
جميلة(بأنفاس محتدة): ممكن تفهمني يعني ايه عايز عمر؟!
عاصي(ببرود): اظن كلامي واضح .. عمر مكانه الطبيعي معايا
جميلة(بانفعال): آآه دا في المشمش .. عمر مش هيتحرك من هنا ولا هيبعد عني
عاصي(بنبرة باردة يشوبها التهكم): لا واضح انك فاهمة غلط .. انا مش باخد رأيك ولا بستأذنك .. انا هاخد عمر معايا .. سواء بمزاجك او غصب عنك
وقف محمد الذي كان يجلس بهدوء ويتابع الحوار ولكنه لم يكن ليصمت حين وصل الامر للتهديد
محمد(وهو يقف بينهما): لا لا لا كدا غلط .. انا من الاول ساكت وقولت دا حوار عائلي مليش فيه .. انت عمه وهي خالته وتتصرفوا سوا انما توصل انك تهددها وتقول هتاخده غصب يبقى ساعتها واجبي احذرك انك لو فكرت تأذيها او تأذي عمر انا اللي هقفلك
عاصي(وهو ينظر له باستنكار): ومين حضرتك ان شاء الله؟
محمد: النقيب محمد عبد الحميد
عاصي(بتهكم): حصلنا الرعب
محمد(بتحذير وغضب): إلزم حدودك واعرف بتتكلم ازاي
عاصي(بتحدي): وإن مالتزمتش هتعمل ايه؟
كاد محمد بالانفعال على عاصي ليقف كريم بسرعة ويشكل حاجزاً بينهم فهو يعرف ان عاصي اذا انفعل سيكون محمد في احد المستشفيات وهذا اذا كان رؤوفاً به وخاصاً حين رأى عاصي يضع يده خلف ظهره ممسكاً بمسدسه
كريم(وهو يحاول تهدئة الموقف): اهدوا يا جماعة الكلام مش كدا
ابتلعت جميلة ريقها برعب بعدما رأت عاصي يُنزل يده من على مسدسه وحمدت الله انه لم يراه محمد وإلا كان ليحدث ما لا يُحمد عُقباه .. استجمعت شجاعتها المزيفة وهتفت به بقوة لم تعرف كيف اعترتها
جميلة(بقوة وانفعال): اخر الكلام علشان ماعنديش كلام تاني يتقال .. عمر مش هيخرج من هنا ولا هيبعد عني .. فاهم؟
عاصي(بعناد وتحدي): وانا بقولك هاخده وهتشوفي
جميلة(بتحدي مماثل): على جثتي انك تقرب لشعرة واحدة منه
عاصي(بنبرة باردة): يبقى انتي اللي اختارتي
قال تلك الجملة وتحرك مغادراً وخلفه كريم تاركين جميلة بأنفاسها المتواثبة داخل صدرها بأنفعال كبير وخوف يدق بقلبها
محمد(بهدوء مطمئناً جميلة): ماتخافيش .. مايقدرش يقربلكم .. انتي معاكي حكم محكمة بحضانة عمر يعني القانون معاكي
نظرت له جميلة وعينيها تلمع بالدموع .. كيف تخبره انها وقعت مع من لا يعرفون القانون .. وقعت من لا يعرفون الرحمة .. وقعت مع من يعتبرون القتل هواية لتسلية وقت فراغهم .. وقعت مع الوحش
/////////////////
يسرع عاصي بسيارته وبداخله بركان ثائر .. اخوه مات .. كيف؟! .. لماذا مات وتركه ؟! .. لديه ابن اخ .. هو الجزء الوحيد الباقي من اخيه .. لن يتخلى عنه .. لن يتركه حتى ان اضطر لحرق الدنيا بما فيها .. وصل عاصي امام فيلا والده لينزل بسرعة البرق تاركاً سيارته بإهمال ليتحرك ناحية مكتب والده .. رأته نادين لتنزل مُسرعة
نادين(وهي تناديه): عاصي .. عاصي
لم يُعيرها عاصي اي اهتمام واكمل طريقه لمكتب والده وهو يكاد يهد الارض من تحت اقدامه من فرط قوة دكته عليها .. فتح عاصي الباب ودخل ليقف امام والده
صفوت(وهو يرفع عينيه عن الورق الذي امامه): فيه ايه يا عاصي؟ مالك داخل زي الاعصار كدا ليه؟
عاصي: عندك حفيد
صفوت(بلهفة): انت لاقيته؟!
عاصي(وهو يضيق عينيه): انت كنت تعرف؟!
صفوت(بتوتر): لأ طبعاً .. انا بسأل عن اخوك .. لاقيته؟
عاصي(بتهكم كونه قال اخوك وليس ابني): اخويا! .. اخويا مات
صفوت(بصدمة مبالغ فيها): ايه؟ .. ازاي؟ وامتى؟
عاصي(وهو يلاحظ انفعالات والده بعينيه كالصقر): ماعرفش لسة
صفوت(وهو يحاول تغيير الموضوع): ممممم تمام .. خلصت العملية؟
عاصي(بانفعال منه): عملية ايه؟! بقولك ابنك مات وعندك حفيد
صفوت(وهو ينظر له ببرود): وانا بقولك خلصت العملية؟
عاصي(وهو ينظر له باشمئزاز): ...
تحرك عاصي من امامه ومن داخله يسخر من نفسه .. ماذا كان يظن؟ هل كان يظن سيقول له اريد رؤية حفيدي .. هل كان سيقول لتحترق الامبراطورية فلقد فقدت احد ابنائي لن افقد حفيدي .. تحرك للخارج غير مبالياً بتلك التي تقف وتنظر ناحيته بـ وله وهي تعض على شفتيها مًمنية نفسها بليلة جامحة تقضيها بأحضانه لتذهب أحلامها في مهب الريح حين رأته يركب سيارته ويتحرك بها بعيداً عن فيلا صفوت الزيان .. تلك الفيلا التي تطبق على صدره فتجعله غير قادر على التنفس
//////////////////
اسدل الليل ستاره على الانحاء ومازالت هي مستيقظة .. عيناها معلقة بالسقف الابيض واحداث اليوم تدور برأسها مرة وراء الاخرى .. تتذكر عينيه السوداء المظلمة ونظرته التي ألقت بالخوف بقلبها .. نعم خافت منه ولكن ليس على نفسها بل على عمر .. صغيرها الوديع الذي اتم اليوم 6 سنوات .. 6 سنوات قضاهم بأحضانها .. 6 سنوات كانت له الخالة والاخت والأم وكان لها الصديق والأبن والعائلة .. هل سيفترق عنها .. هل بعد كل تلك السنوات سيُكتب عليهم الفراق .. هل لن تستطيع حمايته من ظلام عائلة ابيه .. هل ستفشل في حمل امانة اختها .. اختها! .. آه حارقة سكنت صدرها وهي تتذكر يوم كُتب عليها الافتراق عن اختها ويوم فرقها الموت عن من قاسمتها حياتها
*فلاش باك*
تقف بمنزل صغير بالاسكندرية جميلة ذات ال 24 عام وهي ترتب المنزل وتجهز الغداء لأسرتها الجميلة .. تأخروا بالعودة! وبالأخص عاصم زوج اختها فهو معروف بدقته في المواعيد .. يعود للمنزل في تمام الثانية في حين تعود عشق مع عمر من الحضانة التي تعمل بها مدرسة في تمام الثالثة ليتجمعوا سوياً ويأكلوا في جو أسري حميم .. رفعت جميلة هاتفها لتتصل بـ عاصم ولكن وجدته غير متاح .. حاولت الاتصال بأختها ولكن وجدت نفس الحال
جميلة(وهي تزفر بتذمر): راحوا فين دول؟! يكونوش راحوا يصيعوا من غيري! لا بس دا عمر معاهم لما بيحبوا يصيعوا بيسبوه ليا .. اومال راحوا فين بس
قطعت كلامها مع نفسها حين وجدت هاتفها يرن برقم غريب
جميلة: ألو .. مين معايا؟ .. ايه؟!! حادثة؟!! فين ؟!! مستشفى ايه؟!!
تحركت جميلة وهي لا تعرف ماذا ترتدي ولا كيف تتحرك فمازال عقلها مشغول بتلك المكالمة التي اخبرتها بحدوث حادثة على الطريق لسيارة تحمل بداخلها سيدة ورجل وطفل صغير .. لا تعرف كيف وصلت للمشفى لتتجه بقلب يكاد يتوقف من فرط دقاته ناحية الاستقبال
جميلة(بلهفة ودموع تغرق وجهها): لو سمحتي .. فيه حادثة هنا .. اختي فين؟
موظفة الاستقبال: اهدي يا فندم انا مش فاهمة حضرتك
جميلة(وهي تحاول توضيح كلامها): انتوا كلمتوني وقولتولي ان فيه حادثة حصلت وان اختي وجوزها وابنها هنا
موظفة الاستقبال: آآه دي الحادثة اللي جت من ساعة .. الدور التالت .. غرف الرعاية
جميلة(برعب): رعاية!! طب هو حالتهم ايه؟
موظفة الاستقبال: ماعرفش يا فندم اطلعي حضرتك وهتعرفي من الدكاترة
تحركت جميلة وهي تسب في سرها تلك الموظفة الباردة التي لا تريد ان تطفئ نار قلبها وتطمئنها على اختها وصغيرها وعلى من اعدته اخاً لها .. وصلت جميلة للدور الثالث امام غرف الرعاية لتتسمر قدميها وتشهق بقوة واضعة يدها على فمها وهي ترى الممرضين يجروا احد السرائر وعليها جثة مغطاه بالملاءة البيضاء من رأسها لأسفل قدميها .. هزت رأسها وكأنها لا تريد ان تصدق ان تلك الجثة تعود لأختها او لمن اعتبرته أخاً وأباً .. خرج الطبيب من غرفة العمليات لتتحرك ناحيته وهي تجر قدميها
جميلة(بنبرة محشرجة من الدموع): الحادثة ..
لم تستطع جميلة اكمل الجملة ليفهم الطبيب ما تشعر به
الطبيب: البقاء لله .. هو دلوقتي في حتة احسن
جميلة(بصدمة ودموع): هـ .. هو! هو عاصم اللي مات؟!! .. طب واختي؟ .. هي فين؟
صمت الطبيب قليلاً ولم يعرف كيف يقول ما سيقوله لينظر لها بهدوء اكتسبه مما رآه
جميلة(وهي تهز رأسها بلهفة والدموع تغرق وجهها): لأ ماتسكتش كدا ابوس ايدك .. ماتسكتش .. قولي اختي فين
الطبيب: اختك في الرعاية بس..
جميلة(بتوجس): بس ايه؟
الطبيب: ماعتقدش انها هتكمل النهاردة
جميلة(وهي لا تريد التصديق): يعني ايه؟
صمت الطبيب مرة اخرى وهو مشفق على حالتها
جميلة(وقد فهمت صمته): عايزة اشوفها
الطبيب: مش هينفع
جميلة(برجاء ودموع كثيرة): ارجوك .. اشوفها اخر مرة
الطبيب(وهو يهز رأسه مشفقاً عليها): ...
تحركت جميلة بعد ان تجهزت لتدخل غرفة الرعاية وليتها لم تدخل .. اختها ممددة على الفراش .. موصلة باسلاك كثيرة وخراطيم الاكسجين موضوعة بأنفها علها تساعدها على التنفس .. رأسها مربوط بشاش طبي والجروح تملأ وجهها الابيض الجميل .. عينيها مغلقة وانفاسها ضعيفة .. تقدمت جميلة منها وهي تعافر كي لا تبكي
جميلة(بنبرة تخنقها الدموع): عشق .. عشق .. ردي عليا يا قلب اختك
عشق(وهي تفتح عينيها ببطئ): ...
جميلة(وهي تضغط بقوة على شفتيها حتى لا تبكي): ...
عشق(وقد لمعت عينيها بالدموع): ...
جميلة(وهي تمد يديها وتمسح دموعها برفق شديد): ششششش ماتعيطيش .. هتقومي وهتبقي زي الفل
عشق(بنبرة متألمة): عاصم
جميلة(بكذب): عاصم كويس ماتقلقيش
عشق(وهي تهز رأسها ببطئ): عاصم مات .. وانا رايحاله
جميلة(بلهفة): ماتقوليش كدا .. انتي هتعيشي .. هتعيشي عشاني وعشان ابنك
عشق(وهي تجاهد للتحدث): ابني يا جميلة .. ابني امانة في رقبتك
جميلة(وقد هربت الدموع من عينيها): ...
عشق(وقد ثقلت انفاسها): اوعديني .. تحافظي .. على .. الامانة
جميلة(وهي تهز رأسها بدموع غزيرة): اوعدك
اغمضت عشق عينيها وارتفعت صافرات جهاز القلب لتصرخ جميلة صرخة مجلجلة بصوتها كله وهي تقع على قدميها بضعف وقلبها يأن على فراق اختها لتصبح الآن وحيدة لا أحد لديها سوا عمر فقط .. قطعة من اختها وامانتها التي ستحميها ولو كلفها الامر حياتها
*عودة*
تنظر جميلة ناحية عمر النائم جوارها لتقف من على السرير وقد عزمت امرها بتنفيذ ما فكرت فيه .. فهي لن تسمح لأي شئ او اي احد بالتفريق بينها وبين صغيرها .. لن تسمح له بالابتعاد عنها ابداً فماذا ستفعل وكيف ستكون حالتها حين تكون بمواجهة الوحش
/////////////
يجري بسرعة على المشاية في غرفته المظلمة كقلبه والتي لا يُنيرها إلا شعاع من ضوء القمر .. تكاد قدماه لا تُرى من فرط سرعته .. كلما تذكر كلامها وتحديها له ازداد غضبه و زاد من سرعته .. من هي لتتحداه .. كيف تتحداه من الاساس .. كيف!!! .. توقف عن الجري وقد احتدت أنفاسه .. امسك بمنشفته ليجفف عرقه الذي يملأ وجهه ويرفع شعره الاسود المتساقط على عينيه .. تقفز صورتها بعقله .. عيناها الخضراء كالغابات وشفتيها المكتنزتين بلون وردي .. لماذا ود حين وقفت امامه بتلك اللحظة ان يلتهم تلك الشفاه ولا يتركها إلا حين يدميها .. لماذا ود ان يدفس انفه في شعرها العسلي الطويل ليستنشق عبيره الذي خدر حواسه بمجرد وقوفه امامها فما سيكون حاله ان اصبحت بين احضانه .. فاق لنفسه سريعاً ليُعنف نفسه على ما يُفكر به .. اسرع بجذب قميصه الاسود ليرتديه على عجالة ويخرج لشرفته تاركاً الهواء البارد يعبث بصدره بقوة غير قادرة على اخماد النيران التي اشعلتها تلك الجميلة الشرسة
///////////////
في سكون الليل وقد تعدت الساعة الثانية عشر تتحرك بسرعة وهي تتلفت حولها خائفة أن يراها احد بذلك الوقت .. تلك هي فرصتها الوحيدة .. تمسك بيد صغيرها الذي يدعك عينيه بنعاس يتغلب على عيونه الصغيرة .. ما ان خرجت للشارع حتى ركبت اول سيارة رأتها ومنها إلى وجهتها التي فكرت بها .. لن تُدخل مزيد من الاشخاص في حساباتها مع من يريد ان يفرق بينها وبين صغيرها .. قررت الهرب به ولكن هل ستستطيع الهرب من الوحش؟!
/////////////////
تمر الساعات ويوشك اذان الفجر ان يصدح في الارجاء .. تضع مفتاحها في باب شقة صغيرة بمدينة الإسكندرية .. ما ان فتحت الباب حتى وقعت عينيها على تلك الصورة المُعلقة على الحائط .. صورة تجمع عائلتها الجميلة .. هي وعمر وعشق وعاصم والابتسامة المرسومة على وجوههم .. تدخل وهي تحمل عمر الغافي ببراءة على كتفها لتُسرع بإدخاله لإحدى الغرف وتسرع بالخروج لحمل الحقيبة الصغيرة التي جمعتها على عجالة لها هي وعمر .. تغلق الباب عليها وهي تحاول تنظيم انفاسها .. يبدو ان الشقة الصغيرة ستحتاج لتنظيف كبير فهي لم تدخلها منذ ٤ اعوام .. منذ وفاة عشق وعاصم فتلك كانت الشقة التي كانوا يقيمون بها .. صدح صوت الاذان في المكان لتتجه للغرفة لتبدل ملابسها وترتدي اسدالها ومن ثم تدخل للحمام الصغير لتتوضئ .. انتهت من الوضوء وتحركت للصالة لتفرش مصليتها التي لا تذهب لمكان بدونها لتشهق بفزع حين وجدته يجلس بالصالة واضعاً قدماً فوق الاخرى وينظر لها ببرود
عاصي(وهو يرفع حاجبه وينظر لها ببرود): هو انتي فاكرة انك لما تاخديه وتهربي مش هعرف اجيبكم
تسارعت دقات قلبها وثقلت أنفاسها لتجري بسرعة ناحية المطبخ وتمسك بسكين كبير لتلف وجهها وتراه واقفاً ببرود امام باب المطبخ
جميلة(بتحذير وانفاس متسارعة): لو فكرت انك تقرب مني او من عمر انا هقتلك انت فاهم؟
عاصي(وهو يقترب بخطواته): ...
تقدم عاصي ببطئ ومع كل خطوة كان يتقدمها كانت تتراجع هي مقابلها خطوة حتى ألتصقت بحائط المطبخ
جميلة(بدقات قلب متواثبة): ماتقربش تاني
عاصي(وهو يستمر في تقدمه حتى التصق بها): ...
جميلة(بأنفاس متسارعة وهي تنظر له): بقولك ابعد عني
عاصي(بهمس يلفح وجهها): انتي مش قولتي لو قربت هتقتليني .. مستنية ايه؟ يلا اقتليني
جميلة(وهي ترمش بعينيها بسرعة وقد توترت من قربه): ابعد
عاصي(وهو يتفحص وجهها في ظلام المطبخ الصغير): ...
اغمضت جميلة عينيها بشدة وقد دبت قشعريرة غريبة في جسدها من قربه .. لم يقترب منها احداً ابداً بتلك الطريقة .. لماذا تتواثب دقات قلبها بهذا الشكل .. ضغطت على شفتيها بتوتر عندما احست انفاسه تلفح بشرتها ويده تمسك بيدها الممسكة بالسكينة بقوة ليست بالمفرطة ولا الضعيفة اما هو فكان مسحوراً بها وبجمالها .. لقد رأي مئات النساء ونام مع نساء اكثر من شعر رأسه ولكنه لم يرغب ابداً بأي انثى كما يرغب بها .. يحارب نفسه بقوة حتى لا يلتهم شفتيها في قبلة هو متأكد أنها لن تتحملها .. قبلته القادرة على اخذ انفاسها من صدرها وقطع الهواء عن رأتيها الصغيرتين .. اقترب بوجهه اكثر حتى بات قاب قوسين او ادني من ان تلامس شفتيه شفتيها ليهمس بنبرة تحمل السخرية
عاصي(وهو يمسك السكين من يدها): سيبي دي ل احسن تعورك
فتحت جميلة عينيها وكأنها استوعبت للتو وضعهم لتدفعه عنها بقوة لا تعرف كيف اعترتها
جميلة(بحدة): انت عايز ايه؟
عاصي(بنبرة حاول جعلها باردة): عايز اعرف حاجات وماحدش هيقولهالي غيرك .. هستناكي برة
جميلة(وهي تبتلع ريقها وتتنهد): ...
تحرك عاصي لخارج المطبخ بسرعة وكأنه يريد ان يهرب قبل ان يعود مرة اخرى لها ويعتصرها بين جسده القوي وبين هذا الحائط الذي كاد ان يشهد اولى قبلات تلك الجميلة من هذا الوحش اما هي فأخذت تهدأ نفسها وتنظم انفاسها اكثر من مرة لتخرج من المطبخ بهدوء ظاهري لا يتناسب مع كم الارتباك والتوتر الذي يدق بهم القلب الآن .. جلست على الكرسي المواجه له وهي تتجنب النظر لعينيه السوداء التي اربكت قلبها الصغير
عاصي(وهو ينظر امامه): عاصم مات ازاي؟
كانت تلك اولى اسئلته لتنظر له جميلة وقد عاد قلبها يأن بألم الفراق
جميلة: حادثة عربية
عاصي: امتى؟
جميلة: من ٤ سنين
عاصي: واختك؟
جميلة: كانت معاه في نفس الحادثة
عاصي: ازاي الكل كان عارفه عندكم بأسم عاصم عبد الله؟
جميلة(بتردد): هو .. كان مطلع بطاقة مزورة بالاسم دا علشان...
عاصي(مكملاً جملتها): علشان مانعرفش نوصله
جميلة(وهي تهز رأسها): ...
عاصي: ازاي عمر عرفني؟
جميلة: من الصور
عاصي(وهو ينظر لها): صور ايه؟
جميلة: عاصم كان عنده صور ليك ولمامته وباباه وكان شايلهم في دولابه
عاصي: برضو كان ممكن تكون صور لأي حد .. عمر عرف منين اني عمه؟
جميلة: من الجواب اللي مع الصورة
عاصي(وهو يعقد حاجبيه): جواب ايه؟
جميلة: الجواب دا
قالتها وهي تفتح حقيبة يدها الصغيرة وتخرج منها جواب مغلف واضح على ورقه انه قديم .. امسك عاصي بالجواب وفتحه بهدوء ليبدأ قراءة ما خططه اخيه بيده
**
اخي الحبيب عاصي
وحشتني اوي يا عاصي .. على عيني ابعد عنك بس انا حبيتها بجد .. النهاردة فات سنة على بعادي عنك .. مافاتش يوم من غير ما افتكرك فيه .. على فكرة انا بقيت اب .. جبت عمر .. مش انت كنت دايماً تقولي لو جبت ولد اسميه عمر .. انا نفذت كلامك .. بقينا ٣ عين .. عشق + عاصم + عمر .. وحشتني بجد .. كان نفسي ابعتلك الجواب دا بس خايف .. مش منك .. انت عمرك ما هتأذيني .. انا خايف من ابوك على عيلتي .. ابوك بقا شيطان عنده استعداد يعمل اي حاجة علشان مصلحته ومصلحة الامبراطورية العظيمة .. انا كويس ماتقلقش عليا .. لو في يوم من الايام وصلك الجواب دا اوصيك وصية واحدة .. عيلتي يا عاصي .. ابني ابنك .. اوعى في يوم تخليه يدخل مستنقع صفوت الزيان .. ابني يا عاصي
اخوك عاصم
**
انتهى عاصي من قراءة الجواب وقد فرت دمعة خائنة من عيناه ليسرع بمسحها بقوة وهو يقف لتنتفض جميلة ايضا واقفة لتجده يتحرك بدون النطق بكلمة ويخرج من الشقة تاركاً خلفه تلك التي تقف ولا تعلم لما شعرت بالشفقة عليه حين رأت دموعه .. لم تقرأ الجواب من قبل ولكن كلام عاصم عن عاصي جعلها ترسم صورة لشخص مزيج بين قلب الملائكة وتصرفات الشياطين .. شخص غير الذي تراه الآن او ربما هي فقط لم تستطع سبر اغواره بعد .. إن كلمة اخي عاصم المكتوبة على الظرف كانت خير اثبات لعمر ان هذا الشخص بجانب ابيه هو عمه فلم يكن منها سوا ان تخبره ان عمه الذي يُدعى عاصي مسافر وهم لا يعرفون عنوانه لذلك لم تُرسل ذلك الجواب ابدا .. كذبة قالتها لصغيرها ولم تكن تعرف ان الايام ستكون كفيلة بإزالة الستار عن حقيقة كذبها وستكشف الحقائق واحدة تلو الاخرى لتتركها في ساحة الحرب فهل ستحارب الجميلة الوحش ام سينهزم كلاهما امام سلطان العشق لتقع الجميلة في عشق الوحش
كاااااااااااااااات .. كفاية كدا النهاردة

جميلة عشقت الوحش 🤍🖤حيث تعيش القصص. اكتشف الآن