الثامن والثلاثون

22.2K 717 181
                                    

أناديك والليل جاثم خلف الجدران , والفراق قد شهر مخالبه...أناديك والنوم يتقدم مني مهدداً بعشرات من كوابيس الوداع...أناديك يا من كنت قبل دقائق معي.

-غادة السمان

---------------

بُستان مليئ بالورود الزاهية كانت تسير به حافية القدمين وثوبها يهفهف مع نسمات الهواء وهي هائمة في روعة عبق المكان الأخاذ الذي تسلل إليها مصحوب برائحته المميزة، تلفتت يمينًا ويسارًا تبحث عنه وخصلاتها تتناثر معها بحركة متمردة تشبهها لحين استقر نبضها وسَكن قلبها حين رأته يقف بعيدًا يحمل جرة ماء  قام بملئها من ذلك البئر القريب كي يسقي زهورها، زعقت بأسمه متلهفة تسأله أَكُل هذا من أجلها!

فكانت إجابته تلك البسمة الحانية التي لطالما شملها بها لتتهلل أساريرها و 

و تهرول إليه ولكن مهما حاولت الأقتراب تجد ذاتها بمكانها، صرخت بأسمه راجية أن يأتي ويمسك بيدها ولكنه لأول مرة لم ينصاع لها فقد نظر لها نظرة مطولة كأنه يودعها بها ثم وقف على حافة البئر واسقط نفسه به بكل طواعية بداخله لتصرخ باسمه ودون أن تبذل عناء كالسابق وجدت ذاتها على بعد خطوة من موضعه وكأن شيء كان يعيق وصولها؛ ولكن لبؤس حظها لم تجد له أي أثر وحينها صرخت صرخة مدوية استمر انينها وهي تنتفض من الفراش بحالة هياج غير عادية، فلم تذكر شيء سوى ذلك المشهد اللعين حين اطلق خالها عليه الرصاص وسقط أمامها انتفضت من مكانها وصدرها يعلو ويهبط بأنفاس متتالية وهي تكاد تموت رعباً من إجابة سؤالها التي ألقته على زوجة خالها "هانم"التي كانت تجلس بجوار فراشها:

-"يامن" فين…"يامن" حصله ايه؟

حاولت "هانم" طمئنتها:

-اهدي يا بتي إن شاء الله خير 

هو في أوضة العمليات والحكما معاه

نفت برأسها وصرخت متوسلة ودمعاتها تهطل متألمة:

-قوليلي انه كويس...هو مامتش مش كده؟

-لع يا بتي هيبجى زين ادعيله 

-هو فين...انا عايزة اشوفه...

قالتها ببكاء هستيري وهي تهرول للخارج وتستند على كل شيء يدعمها كي تظل واقفة ولا تخور قدميها بها من شدة فزعها 

لتلحق بها "هانم"وتسندها وتوصلها لهناك في حين هي كانت تشعر أن روحها تنسلخ منها وهي ترى الطبيب يخرج  بعد استغراقه هو وفريقه أزيد من ثلاث ساعات معه بغرفة العمليات، فكان يعتلي وجهه ملامح  غير مُبشرة

جعلت وتيرة بكائها تتزايد و قلبها ينقبض بقسوة بين أحشائها حين سمعته يخبر خالها" سعيد" بحالته:

-للأسف حالته حرجة جدًا الرصاصة كانت قريبة جدًا من القلب … بس احنا قدرنا نخرج الرصاصة ونوقف النزيف …ادعيله يا حج هو في أْمس الحاجة للدعاء

خطايا بريئة (مُكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن