الواحد وأربعون

19.3K 663 114
                                    

وإذا أساءَ إليكَ حبيب فقل له إنني أغفرُ لكَ جنايتكَ علىَّ.. ولكن هل يسعني أن أغفر لك ما جنيتهُ على نفسك بما فعلت؟ هكذا يتكلم عظيم الحب، لأنه يتعالى حتى عن المغفرة والإشفاق.

------------------

جلست ساهمة بعيون تحجر الدمع بها داخل احد اروقة المشفى ذاته الذي شَهد على خسارتها، فكانت تشعر رغم ثباتها إلا أن الأرض تدور بها و ومضات عابرة وأصوات متداخلة تطن برأسها للعديد والعديد من المواقف التي جمعت بينهم

فنعم رغم ما فعله بها إلا أنها لا تتمنى له السوء ابدًا.

تعالى بكاء أطفالها ليطغو على عاصفة ذكرياتها لتضمهم لحضنها وتحاول أن تجعلهم يكفوا عن البكاء ولكن بلا فائدة 

ليغمغم "شريف" باكيًا:

-بابي هيموت يا مامي ويسبنا 

لتعقب "شيري" ايضًا وهي تنتفض مختنقة بشهقاتها:

-مش هنشوفه تاني

تمزق قلبها حسرتًا على أبنائها وواستهم متفائلة:

-هيبقى كويس...هيبقى كويس بطلوا عياط

لم يكفوا عن بكائهم لترجهوهم هي بانهيار بعدما كوبت وجهه تخفي هشاشتها وضعفها:

-كفاية...كفاية متوجعوش قلبي اسكتوا

كان يقف في الزاوية البعيدة يطالع ما يحدث بعيون جامدة، وبملامح ثابتة تخالف تلك الأعاصير الموجعة بداخله فقد تفاجئ بها وبصغارها داخل المشفى اثناء مداومته وشَهد على خوفها ولكن كعادته ألتزم بثباته الانفعالي وتقدم منهم ببسمة يجيد اقتناصها في أكثر اوقاته المُحزنة ينحني أمام مقعدهم بجذعه ويقول للصغار محفزا:

-ابوكم هيبقى كويس متخافوش 

نفى "شريف" برأسه و غمغمت "شيري":

-لأ بابي هيسبنا على طول ومش هنشوفه تاني

أزاحت هي يدها وكشفت عن بهوتها وطالعته بنظرة حزينة ضائعة جعلته يزفر انفاسه يستجمع قواه ثم 

جلس بجوار "شيري" و يربت على شعرها قائلًا بنبرة حنونة مطمئنة وبكل بساطة كي يستوعب عقلها:

-هو مش انا دكتور و كشفت عليكِ وخفيتي بعدها 

هزت الصغيرة رأسها ليستأنف هو:

-وزميلي دكتور زي وكشف عليه وبيطمنكم هيخف ويبقى كويس

-بجد ياعمو

-اه بجد انا مش هكذب عليكم 

وبعدين مينفعش ابوكم يفوق ويلاقيكم بتعيطوا كده

هزت "شيري" رأسها وكفكفت دمعاتها ثم سَكنت بين احضان والدتها، أما عن "شريف" فقد وقف مواجه له متسائلًا:

خطايا بريئة (مُكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن