«الفصل الخامس والعشرون»

3.4K 245 70
                                    

فرّق جفنيه ونظر للسقف لبرهة، ثم فاق لنفسه واعتدل جالسًا على الفراش، تنهد بعد ليلة ماجنة ككل مرة، لم يستوعب مع من قضاها ولا يُهمه، يكفي أنه تصورها آسيا ككل مرة...وانتشى.

-صباح الخير.

قالتها بصوتٍ سعيد، وملامحها تشي بمدى فرحتها، نظر لها بطرف عينه وابتسم ساخرًا ثم قال وهو يُشغل لفافة التبغ:
-صباحية مباركة.

عقدت حاجبيها بتعجب وما زالت على بسمتها:
-ليه الابتسامة دي؟

نفث دخانه في وجهها، ونظر إليها بترقب، مرر عينيه على تفاصيل وجهها بتركيز شديد، منتظرًا ثورة عارمة، ولكنها كما اعتاد..تسعد ظنًا أنه سيتزوجها، وحدها آسيا من عارضت..من رفضت..ولم تخضع، وهذا ما جذبه نحوها.

-قومي لمي هدومك وغوري من هنا.

نبرته الحادة وكلماته اللاذعة نفضت قلبها، نظرت إليه بعدم تصديق وهمست بتوجس:
-أنس!

وبعدما ارتدى بنطاله وقف أمامها يرمق هيئتها بانتصارٍ ساخر، وتابع أقواله بحقارة:
-زيك زي غيرك.

التقط محفظته من درج الكومود وهتف بجدية:
-حسابك كام؟

التمعت عينيها بسحابة من دموع القهر، وفاهها فاغر بعدم استيعاب ترمقه بتوهان، فتابع حديثة بوقاحة وهو يلقي عليها حفنة من الأموال:
-خدي دول.

تقضي معه ليلة وانتهى! استسلمت له وللمساته وهمساته الحانية، ثم يُلقي لها أمواله مُهينًا إياها بهذا الشكل المخزي!

-بتبصيلي كدا ليه؟ ليه محسساني إني غدرت بيكي؟ دليلة حبيبتي فوقي، إنتي اللي وافقتي ورضيتي، كل دا كان برضاكي أنا مغصبتكيش على حاجة!

عندما تتجسد الحقارة في أبهى صورها، تُنتج لنا أنس.

وعندما تتجسد الصدمة والكسرة في صورةٍ، ستكون دليلة.

أخطأت عندما باعت وسلّمت، أخطأت عندما تعلقت بمن حذرها الجميع منه، أخطأت لما خسرت كل شيء لأجله! حتى عذريتها خسرتها، وكرامتها، وكل شيء ذهب مع الريح!

-أنس..إنت أكيد مش هتعمل فيا كدا، قول إنك بتهزر عشان خاطري.

أطفأ سيجارته بدهسها أسفل نعله، ورماها بنظرة مُهينة هازئة وتحدث:
-ملكيش خاطر عندي.

وخاطرها..قد كُسر. وعن قلبها...فقد فَقَد معنى الحب.

نهضت تتشبث بالغطاء الذي يحاوطها، تتشبث بأذيال واهية، تتشبث بحنانه الزائف، تقف أمامها راجية بعينين أدماهما الدمع، تلتقط كفه وتتشبث به بقوة هاتفة بضعف:
-أبوس إيدك يا أنس متعملش فيا كدا، وحياة أغلى حاجة عندك ما تعمل فيا كدا!

لا تعلم أن أمثاله لا يملكون عزيزٍ ولا غال، أمثاله يملكون المتعة مع كل ما هو مؤنث.

أزاح كفه عن يدها، وبذاتِ النظرة الباردة أشار لباب الغرفة:
-برا.

لن أُفلت يدكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن