«الفصل الثاني والثلاثون»

3.6K 224 130
                                    

تأوهت متألمة وهي تدور برأسها للجهة الأخرى، الألم يغزو جسدها وينغزها ببشاعة، كلما تحركت خطوة ألمها جسدها بشدة، حتى الوقوف لم تستطع أن تمارسه، استندت برأسها على الوسادة وتمتمت وهي تملس على بطنها التي شعرت بها خاوية:
-فيه أيه!

لم تشعر بحركته أو بكلمة "ماما" التي كانت تستشعرها منه، وعندما تذكرت ما حدث سالت دموعها بغزارة وهي تهز رأسها نافية إستنتاجها، تمتمت برفضٍ قاطع:
-لأ لأ لأ، مش إنت كمان هتمشي وتسيبني، مش هرجع وحيدة تاني لأ..

فُتح باب الغرفة ودخلت منه الممرضة حاملة صنية الأدوات الطبية، وضعتها بجوار دليلة على الطاولة وأسندتها هاتفة:
-حمدلله ع السلامة يا مدام، حضرتك بخير متقلقيش.

فهمست بصوتٍ مختنق متهدج:
-مات؟ الطفل؟

أومأت الممرضة متمتمة بأسف:
-ربنا يعوض عليكي يا مدام..

وتابعت دليلة نحيبها بصوتٍ عالٍ، أخرجت آهاتها وشهقاتها في نحيبٍ وصل لآخر المستشفى، وجعها قلبها للمرة التي لا تعرف عددها، تألمت وانفطرت مشاعرها مرة أخرى، فقدت العزيز كما فقدت الأعز، عادت وحيدة بعدما كانت تستأنس به وهو يجول بداخلها وتسمع صوته بقلبها الملتاع، راحت تبكي بقهر..وتخلل بكاءها ضحكاتها، تضحك وتبكي في آن واحد، اضطربت مشاعرها فباتت تضحك على حزنها وتبكي على ضياعها، تلطم وجهها بقوة لعلها تفيق، تقرص جلدها بعنف عساها تستيقظ، تنادي الاستيقاظ من كابوسها البشع، ولا حياة لمن تنادي.

دخل عليها الوالدين، الأم تهرول ناحيتها وتحتضنها بشفقة محاولة تهدئتها، والأب يتحدث ببرود:
-أحسن، جات من عند ربنا، كنا هنقول للناس إيه وإنتي اتجوزتي واتطلقتي في نفس الساعة!

فازداد صوت نحيبها، وتألمت حنجرتها من قوة الصراخ، واختنقت أنفاسها حد إحمرار وجهها، راحت تتلوى في أحضان والدتها غير مرتاحة، حتى أبعدتها عنها بأن دفعتها فكادت تسقط، راحت تصرخ بهستيرية وعنف وهي تلقي كل الأجهزة أرضًا وكل ما تسقط عيناها عليه:
-اخرجوا برا، كلكو برا، اطلعوا برا، دمرتوني ودمرتوا حياتي..براااا.

صرخت بها وهي تلقي بالمزهرية المجاورة لها على الأرض، فجاء الطبيب يركض، ودفعت الممرضات الوالدين للخارج، الهانم تبكي وتنحب على ضياع ابنتها، والباشا يزفر حانقًا ويمسح على وجهه باختناق، وابنة الهانم والباشا ضاعت وضاعت كرامتها، ضاعت وضاعت نطفتها، ضاعت وقلبها.

❥❥❥✦

في الصباح الباكر قررت الاستمتاع بالجو المشمس للبيئة الصعيدية الأصيلة، لذلك تسحبت مبكرًا وذهبت إلى الحقل، ثم جلست على أحد المقاعد أمام الأرض ورأت العمال يحصدون المحصول ويعملون بكد، فابتسمت بلطف وتنفست بقوة تستنشق هواء البيئة النقي في الصباح، شعرت بأحدهم يجلس جوارها فاستدارت بسرعة، ابتسمت براحة حينما رأته وهتفت وهي تستند بكفيها جوارها:
-صباح الخير.

لن أُفلت يدكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن