«الفصل الثامن والعشرون»

3.3K 220 79
                                    

فصل عميق للغاية.

______________________

فرّقت جفنيها اللذان إلتصقا ببعضهما من الدموع التي غرق وجهها به، وجهها شاحب وشفتيها زرقاوتين وكأنها في ثلاجة الموتى، استقامت على الأرض مستندة على الفراش خلفها وتأوهاتها تتعالى، وبكاءها يرج جدران الغرفة رجًا، أسمهان الصادقة كذبت كذبة صغيرة، تفاقمت الكذبة وعذابها تفاقم معها، أخذوا منها هاتفها فلن تستطع الحديث مع أحد، أوصدوا عليها الأبواب والنوافذ بناءً على طلب عمها، والجد صامت لا يُبدي رأيًّا، يخبرها بأنه سيزوجها من تحب، من كانت تحبه وهي صغيرة وهي لا تعلم أيقصد محمود أم أحدًا آخر، ولكنها واثقة بأنها لم تحب محمود قط، فمن ذا الذي يحب هذا البغيض ذو الكرش المتدلي والرأس الأصلع وشارب الغفر!

تحرك المفتاح بالباب ودخلت زوجة عمها "صفية" تتهادى بشماتة وأمامها الخادمة تضع صنية صغيرة بها طعام لا يكفي قطة أمام أسمهان التي قلّبت ملامحها مزدرية، ابتسمت زوجة عمها بشماتة وهتفت:
-اطفحي يا أختي، أني طيبة وچبتلك الأكل أهه، جمايلي مغرجاكي من ساسك لراسك.

وأسمهان تركز بصرها على اللاشيء، بعينيها الناعستين ووجهها الشاحب وخصلاتها المشعثة، كان منظرها أشبه بشبحٍ..

خرجت زوجة العم وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح ثانيةً، فاعتلى ثغر أسمهان بسمة متهكمة، ثم دفست وجهها بين ساقيها التي تضمهما إلى صدرها، وعادت تبكي بلا توقف وقد بات صدرها لا يحتمل ألم البكاء أكثر..

✦❥❥❥✦

صُدم الجد فيها، ظن ظنًا وخاب ظنه، ثم اتصل بحاتم ليستفسر فالكلام جاء بآخر ثم...انكشفت الخدعة.

-يعني أنا أديك أمانة يا حاتم تعمل فيها إكده؟ كيف تكون عايشة معاك وإنت متعرفش حاچة عنها وعن خطوبتها!

وحاتم يتعجب:
-أنا مش فاهم حاجة يا عمي بس، حضرتك تقصد إيه!

غضب الجد من إنكاره:
-متشتغلنيش، أسمهان اتخطبت من ورانا وإنت كيف متعرفشي مع إنها كانت عايشة معاك!

-أسمهان اتخطبت بموافقتكم! وبعدين إنت اللي سمحتلها تعيش لوحدها بعيد عني! وأنا لبيت رغبتها طالما إنت موافق! هي كلمتك واستأذنتك قدامي وحضرتك وافقت.

اختلط عليه الأمر، سيطر الجمود على خلاياه، ثم تحدث بصوتٍ مخيف:
-هي فهمتك إكده؟

-فهمتني إيه هي مش دي الحقيقة؟

زفر حاتم ثم تابع:
-طب هي فين دلوقتي؟

والجد يردد متوعدًا:
-عندي إهنه، ومكانتش هتخرج من الدار إلا لما تتچوز ابن عمها، وبعد كدبتها دي مش هتخرج من الدار واصل.

ثم أغلق الخط بوجه حاتم بعد توعده، وظل يفكر ويقلّب الأمر برأسه، وفي تلك الأثناء سمح لابنه "جابر" وزوجته "صفية" أن يفعلوا ما يريدون بأسمهان عقابًا لها على كذبها وخداعها له طوال تلك السنوات.

لن أُفلت يدكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن