«الفصل الثاني والأربعون»

3.8K 191 120
                                    

جلست زينات وهي ترمق جسد آسيا المسجى بين الأجهزة، غارقًا في خيباته، يتلو الأحزان والآلآم.

تمتمت بتعبٍ وهي تمسح على وجهها بقهرٍ:
-عملنا ايه بس يا ربي عشان يحصل فينا كدا.

قالتها بقلة حيلة، وبجوارها حاتم يضع رأسه بين كفيه في استسلام، ثم أخذه التفكير للأفق البعيد، حيث كان يصلي...ويتبرع..ويصوم لوجه الله ويدعوه!
وقد نسي أنه ترك حق أحدهم دون أن يعيده! لقد أكل حق إمرأة أغواها قديمًا فوقعا في الحرام معًا!

✦❥❥❥✦

جالسان أمام فراشه بغرفة العمليات، يحتضن داغر رأسها ويربت على عضدها برفق، بينما هي تبكي وتناجي ربها حتى ينقذ أباها، وكأن دعائها قد استجاب، فحرك أبوها رأسه وفتح جفنيه ببطءٍ وإنهاك وهو ينادي:
-آ...آسيا!

انتفضت ناهضة وجثت على ركبتيها بجواره متشبثه في كفه باحتواء:
-متتكلمش... متتكلمش عشان صحتك.

تمتم بصوتٍ مبحوح وعبراته تغرق وجنتيه بغزارة:
-أأ...أنـ... ـا آسف يا حبيبتي.

هزت راسها وقد نغزت عبراته عينيها لتفجر كم الدموع الهائلة التي كانت تحتويها:
-اسف على ايه بس، اهدى.. اهدى.

ازدرد لعابه بعسرٍ، ثم تمتم بتحشرج:
-زهرة...كلمي زهـ..ـرة قو..قوليلها تيجي.

شرقت بأنفها وعقدت حاجبيها بتعجب:
-زهرة! زهرة إيه دلوقتي!

ابتلع ريقه وفي قلبه عبءٍ يتضخم:
-اسمعـ..اسمعي الكلام.

زفرت بنزق ثم هتفت بلطف:
-حاضر يا حبيبي هكلمهالك، ارتاح إنت بس.

تنفس بعدم إرتياح، ثم ثقلت أنفاسه وغفى على نفسه، ففرّقت آسيا كفها عن كفه ونهضت تمسح دموعها، ثم هتفت لداغر:
-هروح أكلم زهرة، جايز يكون بابا عايزها يشتمها ويحسبن عليها ولا حاجة.

ثم انصرفت وهي تُخرج هاتفها من جيب بنطالها، بينما عقد داغر حاجبه بإستفهام!

✦❥❥❥✦

كانت آسيا تقف أمام غرفة أبيها بالمشفى، وعلى أذنها الهاتف تنتظر الرد، وما إن جاء حتى هتفت بلا مقدمات وعلى وجهها الامتعاض بادٍ بشدة:
-بابا عايز يتكلم معاكي.

قالتها آسيا باقتضاب، فسألتها زهرة بحاجبين معقودين:
-عايزني أنا؟! ليه حصل أيه؟

زفرت آسيا حانقة:
-تعب ونقلناه المستشفى، وهو دلوقتي عايز يتكلم معاكي، وبيقول إنه عايز يشوفك، مش عارفة ليه ومش عايزاكي تيجي بس دا بابا!

أصابها القلق الشديد، إلا أنها قالت بجفاء:
-سلامته، بس أنا مش فاضية عشان آجي، ورايا شغل.

ضحكت آسيا بسخرية:
-عنك ما جيتي، وفرتي.

ثم أغلقت زافرة بازدراء، كم تكره تلك المرأة التي تشعرها بالغثيان كلما رأتها، فركت وجهها وسارت في رواق المشفى متجهة إلى المرحاض العام، دخلته وأوصدت الباب خلفها ثم فتحت صنبور المياه وأغرقت وجهها به، مستعينة بالله في سرها أن يعينها على ما هي مُقدمة عليه، التقطت بضع محارم تجفف بهما وجهها برفق وهي تحسس عليه، حتى أتاها صوتًا هامسًا بفحيح مع أنفاسٍ ساخنة لفحت رقبتها فنفضتها من مكانها بذعر:
-بابا كويس يا سيتا؟

لن أُفلت يدكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن