عندما وصلت السيارات علت أصوات الزغاريد وارتفع صوت الأغاني الشعبية، وآسيا تجلس بالداخل تنظر للأجواء باشمئزاز، حتى خرج أمام السيارة من العدم بعض الشُبان يحملون مديات وسواطير، فصرخت بهلع وانتفضت ملتصقة بداغر:
-قُطّاع طُرق..قُطّاع طرق.ابتسم ساخرًا، وبدأ الشبان يرقصون رقصة المطاوي ويقفزون بسعادة على ألحان الأغاني، عندما تغلغلت السيارة للداخل قليلًا أدارت آسيا رأسها للجانبين بحثًا عن والدها، فاصطدمت عينيها بشاب يقف أمام شاب آخر ويأخذ بيده اليمنى كل ما يُخرجه إليه بيده المرتجفة، بينما يده الأخرى مخفية في ثياب الآخر لسبب لا تعلمه! فسألت داغر بفضول:
-هو الراجل دا بيعمل ايه؟ولكن السيارة كانت قد ابتعدت عنهم فلم يرى داغر ما تتحدث عنه، ولكنه فطن وقال بلا مبالاة:
-يا إما مثبت حد يا إما بيهدد حد، في الحالتين فيه حد هيمشي من الفرح معيط.ازدردت لعابها بتوجس، توقفت السيارات فجأةً فارتدت آسيا للأمام بعد أن اختل توازنها، ضيّقت عينيها لترى من أعاق تحركهم، فوجدت سيدة ضخمة ترتدي عباءة رجالية تقف في منتصف الشارع تصيح بصوتٍ جهوري:
-بااااس، الليلة غير أي ليلة، الليلة فرح ابن أختي الغالي، عايزة شقلبظات تكريمًا له، سامعين يا غجر.تعالت الصيحات، وعَلَا صوت الأغاني بعد أن خُفض قليلًا للسماح لعجوزة بالتحدث، ابتعدت عن مجال السيارة، فرمقتها آسيا لبرهة من خلف زجاج نافذتها إذ كانت تقف على جهتها، انتبهت لها عجوزة وهي تمر فرمقتها بجمود، أكملت السيارة مسارها حتى توقفت، فقال داغر:
-يلا.وهبط منها فعلا صوت قرع الطبول والزغاريد والمزامير، حيا الجميع بابتسامة ودودة وملامح بشوشة، واستدار لها ومد كفه ليُساعدها على النزول، فقالت متهكمة:
-والله أنا متشلتش.فأبعد يده باقتضاب، وهبطت هي وأثناء ذلك انزلق الشال ليدها اليسرى فأظهر ظهرها، لم تُبالي بذلك وتابعت سيرها، وما إن لاحظ داغر النظرات النافذة للشبان الذين كانوا يرقصون لآسيا وحملقتهم المذهولة بها، حتى نظر لها ليرى ما المشكلة، فأسرع يضع الشال على كتفها الآخر ويغطي ظهرها هامسًا من بين أسنانه:
-لو عايزة تطلعي من هنا سليمة خدي بالك من ضهرك.رمقته بغيظ، فالتقط ذراعها قسرًا وشبكه بخاصته، تحرك به وسط الناس والطبول والمزامير، والمسكينة تكاد تنكمش ككتلة واحدة خوفًا مما تراه أمامها من مُشردين وأبناء شوارع ومديات وأسلحة حادة، تابعوا السير حتى وصلوا للكوشة المزينة بأدوات بدائية، توسعت عين آسيا وهي ترى تلك الكوشة ذات الأريكة الصغيرة الغير مهندمة بالمرة! جاءها والدها من خلفها وربت على كتفها، فاستدارت له سريعًا وألقت نفسها بأحضانه هامسة بهلع:
-بابي، بابي أنا هسمع الكلام والله، هسمع الكلام ومعدتش هزعق في حد ولا عدت هصرف فلوس كتير، بس عشان خاطري مشيني من هنا، وحياتي عندك.
![](https://img.wattpad.com/cover/295341400-288-k837297.jpg)
أنت تقرأ
لن أُفلت يدكِ
Romanceيقولُ فِي وَصْفِها: إِنها الحَسْنَاءُ المُتَنعِمَة فِي الدِّيبَاجِ.. تسْرَحُ فِي المُرُوجِ.. تَأْكُلُ مِنْ العَنقُودِ.. تَبْتسِمُ فِي وَجْهِ الجُنُودِ.. وَتَتدَلل كَمَا الوُرُودْ.. وعِنْدَ القَرَار تَصيحُ كَالنَمْرُودْ.. هِي فَتَاةٌ تَرْفضُ القيو...