١- زيارة.

1.6K 69 39
                                    

عمّت الضوضاء الأرجاء بعدما انتشرَت الفوضى في مُعظم أنحاء المنزل استعدادًا لاستقبال عمتي بعد غيابها عنّا طوال تلك السنين الماضية، ابتعدتُ سريعًا من أمام زوجة عمي "سناء" التي انطلقَت تركض بطريقةٍ غريبة وقد حملَت بين يديها الكثير من الأطباق الثقيلة وقد حاولت الاختفاء من أمامها سريعًا حتى لا أضطر لمساعدتهم في كل تلك التحضيرات التي لا أرى لها فائدة، انتبهتُ سريعًا لاختلال الصحون التي كادت تسقط، وما إن كدتُ أُحذّرها من السير بهذه السرعة وبيدها هذا الكم من الصحون حتى سمعتُ صوت عمتي "حنان" التي صرخَت بصوتٍ مُرتفع:

-ما تاخدي بالِك يا سناء بدل ما تكسري شوية الأطباق وانتي ماشية بسُرعة كدا.

اختفَت تمتماتهم سريعًا بعدما دلفتا معًا إلى المطبخ، لأزفر بخفوت وأنا أحاول البحث عن جدّي الذي تركتُه في البهو هنا منذ قليل.
تفقدتُ غرفة المعيشة سريعًا، لكنني لم أجدهُ بداخلها، لأتوجه بعد ذلك إلى الخارج، فمِن المُستحيل أن يكون بالأعلى الآن.
ابتسمتُ حالما رأيتُه كما توقّعت في الحديقة يجلسُ فوق كرسيّه المُتحرك كما اعتدتُ رؤيته طوال الأربع سنوات الماضيات، لأقترب منه بهدوء.
كنت أحبذ مراقبة جدي في تلك الأوقات التي يجلس بها وحيدًا يُراقب الأجواء من حوله ولسانه لا ينقطع عن ذِكر الله مُتعجبًا من قدرته على خلق مثل هذا الكون الفسيح الذي لم يعد يفعل شيئا سوى تأمله.

-انت طلعت لوحدك يا جدو؟

تحدثتُ بعد دقائق عديدة وقد اقتربتُ منه لأقف إلى جانبه تمامًا، رفع أنظاره نحوي، لتتبعه يده المرتجفة والتي جذب بها يدي بهدوء، جلستُ أمامه وقد احتضنَت يداي كفه الدافئ، ليتحدث بعد لحظات وقد ارتسمَت فوق شفتيه ابتسامة مرتجفة:

-اتأخرتي ليه يا حفصة؟.. كنت مستنيكي.

تثاقلَت مخارج حروفه، فابتسمتُ لابتسامته الودودة، رفعتُ كفّه بلطف لأُقبّله، ثم أردفتُ بهدوء:

-كنت بعدل طرحتي يا جدو، وبعدين أنا مش قولتلك تستنّاني جوا؟

أشار بكفّه الأخرى نحو السماء والأرض بعشوائية دون أن يتحدّث، فاكتفيتُ بالابتسام دون تعليق وأنا أعتدلُ في جلستي لأعطيه ظهري وأضع رأسي فوق قدمه ليُمرّر أنامله فوق جبهتي بهدوء.
أغمضتُ عيناي للحظات، لكن ما لبثتُ أن انتفضتُ من مكاني فزعًا فور أن وصلني صوتُ عمّتي "حنان" الصارخ:

-بقى يا مقصوفة الرقبة سايبانا محتاسين جوا وقاعدة هنا؟ يا بت حسي على دمك دا انتي اللي زيك شايلين بيوت.

وها قد بدأنا.

-يا عمتو أنا قاعدة مع جدو عشان آخد بالي منه، افرضي مثلًا مثلًا اتخطف!

اضطراب -قيد الكتابة-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن