٣١- عيونُه!

137 7 7
                                    

صوتُ نحيبٍ خافت اخترق الصمت المُحيط به، وتبعه دفءٌ غريبٌ حاوطه، ثم ثقلٌ ما استقرّ فوق كتفه الأيسر!

كان جالسًا كما أصبحت عادته مُؤخرًا أسفل تلك الشجرةِ التي كانت قد جمعته بزوجته سابقًا في لحظةِ صفاءٍ لم تتكرّر أعقبت وفاة الجد ثم ذلك الحلم الذي قصّه عليها العم "حسين".

كان مُغمضَ العينين، مُسترخيًا في جلسته، صامتًا وهادئًا كما هو دائمًا، وكل هذا كان على نقيضِ رأسِه المُشتعلة بوقودِ أفكاره.

فتح عينيه ببطء ينظر إلى ذلك الشيء الذي استقر فوق كتفه والذي شكّ للحظةٍ أنها من المُمكن أن تكون زوجته، لتضطرب أنفاسه فور إدراكه أنها هي بالفعل؛ "حفصة".

لم تكن فعلتها غريبةً عليه، وهي التي عهد منها حبها الغريب والشديد للارتكان إلى كتفه بهذه الطريقة منذ عُقِد قرانهما، وكأنها تستند بكلّها إليه بهذه الطريقة، لكن الغريب بالنسبة له كان خروجها عن عزلتها وتركها لغرفتها بعد كل هذا الوقت.

فتح فمه يكاد يتحدّث، لكنه آثر الصمت وهو يراها تُغمض عينيها باسترخاء ويديها تلتف حول ذراعه لتضمه بقوة وقد بدت تحظى براحةٍ لا مثيل لها بقربه رغم بكائها الغريب.

ابتسم بتلقائية وهو يراها تضم ذراعه أكثر بينما تحرّك رأسها ببطء لتزيح عن وجهها تلك الدمعات التي صاحبت نحيبها الذي لم يتوقف، ودون تفكيرٍ نزع عن يديه قفازاته التي أصبح لا ينفك يتخلّى عنها في كل مرةٍ يقترب بها منها، ليرفع يده العاريةَ إلى وجهها يزيح بها تلك الدموع التي تُزعجها.

استكانت قليلًا، لتتنهد بقوة فور أن أبعد يده عن وجهها، وبقي هو ينظر إليها دون حديث، وعقله لا يزال يُفكّر فيما حدث خلال الأيام المُنصرمة...

تلك اللحظة عندما اندفع هو و"حفصة" إلى غرفة "تالا" ليرى كلاهما العم "حسين" يصرخ في وجهها بهذه الطريقة وهو يصفعها صفعةً تلت الأخرى كانت مُروّعة، ثم هناك حديثه وحدَه والذي أصاب المُرتكنة إلى كتفه وقتها بالانهيار، ثم والدته التي هي حتى الآن تبكي ما حدث وتلومُ عليه نفسها بقسوة، فقط... المشهد كله يُصيبه بالتشتّت.

عقله يسأل بهمس: أيُزعجه ما حدث؟
ثم يُجيب نفسه: لا، لا يزعجه وحسب، إنه يُشعله إشعالًا، يحرق صدره ببطء، ينزع من داخلِه شيئًا لا يعلم ماهيته، ثم يتركه حائرًا، لا يدري ماذا يجدر به أن يفعل لمُواجهة ما يدور حوله!

يتذكّر تلك اللحظات التي تلت ما حدث، فيُغمض عينيه ويعود إليها وهو يشعر أنه لا يزال يعايشها...

ضمّة العم لـ"تالا" كانت صادمة، لكن هروب "حفصة" من الغرفة لم يترك له المجال أو الوقت لتحليل ما يحدث، يذكرُ جيدًا كيف ركض خلفها يخشى أن تُصيب نفسها بمكروهٍ ما، لينقبض صدره من جديد بذات الشعور الذي أصابه عندما وجدها توصد على نفسها غرفتها وترفض إدخاله إليها وإن كان للاطمئنان عليها، لتبقى بداخلها لثلاثةِ أيامٍ لم تبارحها، ولم يُحاول هو اقتحام خلوتها فيهنّ من جديد واكتفى باقتفاء أثر أحوالها من زوجة خاله التي كانت ترعاها.

اضطراب -قيد الكتابة-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن