«فليشهد الله
أني لستُ أعرفني
غريب دارٍ
غريب الأهل والوطن»- هو جو الأشعار الحزينة دا مش هيخلص الليلة؟ ولا انتي عشان حفظتيلك بيتين شعر هتقرفيني بيهم؟!
عقّبت "فريدة" على تلك الأبيات التي همستُ بها للتو بحنقٍ بالغ، لأصرّح لها وأنا أُمرّر نظراتي بين نجوم السماء اللامعة بينما أوجّه الهاتف إلى أذني الأخرى حتى أستند فوق سور الشرفة باعتدال:
- مش عارفة يا فريدة.. حاسة إني تايهة، كل حاجة حواليا بتنهار، جدو، وتالا، وعمتو، وأحمد...- أيوا جينا للمهم، ماله أحمد؟ انتي يا بنتي مش كنتي عندي انتي وهو من كام يوم وكنتوا زي السمنة على العسل مع بعض؟ لحقت الدنيا تتعك بينكم لدرجة إنك تحفظي أشعار حزينة كمان؟
- عمتو سميحة طلعت كانت مرضعة تالا وهي صغيرة يا فريدة.وشهقتها تركت فوق ثغري ابتسامةً باهتة، لم أُدرك حتى أهي من دافع السخرية أم الامتنان لكونها تفهم ما أرمي إليه وتعلم جيدًا ما يعنيه هذا بالنسبةِ لي!
- مين قالك الكلام دا؟
- أحمد بنفسه.. قالي إنه لسة عارف أصلًا وحابب إنه يشاركني السر دا.شهقةٌ أخرى مرت فوق مسامعي، لكنها هذه المرة محت تلك الابتسامة التي ارتسمت سابقًا فوق وجهي.
- وبعدين؟
تنهدتُ بقوة، لا أدري كيف أصفُ ما يجول يدور بداخلي، ولا أعرف كيف بإمكاني أن أخبرها حول ذلك الفساد العارم الذي يعيث به صدري!
- حفصة.. انتي معايا؟
- أيوا.هتفتُ بعد تنهيدةٍ قوية، لتُسرع هي بالسؤال:
- طب انتي عملتي إيه؟ أو خليني أعدل السؤال.. ناوية تعملي إيه؟ودون تردد، هتفتُ:
- ناوية أتطلق.شهقت بقوة حتى تخيلتُ لوهلة أن أنفاسها انقطعت، لكن خاب ظني عندما عادت تهتف من جديد باندفاع:
- انتي اتجننتي يا حفصة؟ هتتطلقي عشان حاجة زي دي؟- وهي دي بسيطة يعني يا فريدة؟ بسيطة إني أعرف إنها أخته؟ إني بعد ما كنت هخلص منها هلاقيها تاني في حياتي؟ لا والمرادي كمان هو وأمه أكيد هيبقوا معاها، ما هي هتبقى بنتها وأخته بقى.
- مش مُبرر يا حفصة.. مش مُبرر.
لا أدري لمَ أثارت كلماتها بداخلي ذلك القدر من الغضب، لكنني استدرتُ سريعًا حتى دخلتُ الغرفة، أغلقتُ الشرفة من خلفي، ثم لم أدّخر جهدي في أن أصرخ بما يجيش به صدري دون تفكير، فصِحتُ أقول:
- لا مُبرر يا فريدة، ولو مكنتيش فاكرة هفكرك أنا إن اللي جه يقولي عليها أخته دي كانت السبب في كل حاجة وحشة حصلتلي في حياتي من صغري، منهم وأكتر حاجة انتي عارفاها كويس إنها كانت السبب في إن بدر يتجوز عليا ويخوني واعترفت بدا بلسانها قدام الكل، ومن بعدها برضو مكفيتش أذاها وكانت السبب في موت جدو الله يرحمه، وقبلها كانت بتصرخ عليا لما رجع بيها بدر وهو محاول يعتدي عليها وبتقول إني السبب في اللي حصل.. دي كلها مش مبررات بالنسبالك؟ طب يا ستي هي مش مبررات ومش أسباب تستاهل فعلًا، بس أنا مش عايزة تكون ليا علاقة بيها حتى لو عن طريقه، حتى لو هو لسة عارف بيها دلوقتي زي ما قال بس أنا مش عايزة.. هو مش من حقي إني أرتاح بعيد عنها بقى؟!
أنت تقرأ
اضطراب -قيد الكتابة-
Romansaقلبتُ عيناي بين عمّاتي وأعمامي الذين لاحظتُ وقوفهم معًا بعيدًا وقد انشغلوا في الحديث سويًا، لأنتبه بعد لحظات إلى الباب الذي فُتح، التفتُّ لأرى من الآتي؛ لأرى عمي الأكبر "حسين" يدلف سريعًا، ليدلف من خلفه ذلك الشاب الغريب. شاب!! رمقتُه ببطء من أعلاه ل...