يُسحق المنطق في تلك اللحظة التي يفقد فيها الإنسان أملَه في هذه الدُنيا،
عندها فقط تتبدّل الحقائق،
وتنهزم النفوس،
ويعترف فيها المهزوم لنفسِه أنه لن يكون قادرًا مهما حاول على بلوغ مراده،
وهُنا تتبدّل الأحلام،
بل يُصبح كل ما يهم هو..
متى سيفنى الكون،
وتنتهى الحياة،
وقبل هذا وذاك..
متى يفنى هو!. . .
تعلقَت أنظار "حفصة" بساعة الحائط المعلقة في مُنتصف الردهة وقد بدَت عاجزةً عن إدراك ما يدور حولها، أزاحت عينيها عن عقارب الساعة بعد دقائق طوال، وما لبثَت أن هتفَت وهي توجّه نظرها إلى "أحمد" الذي وقف يجاورها وأنظارُه مُسلّطة فوق كفّيه بتوتر:
-لسة محدش نزل؟انتبه "أحمد" إلى سؤالها الذي أبدى اهتمامًا _وإن كان غير مقصودًا_ حيال "تالا" التي أتت منذ قليل بحالة مزرية محمولة بين يدي العدو _بالنسبة لها_، نفى "أحمد" رأسه بهدوء ثم سرعان ما سحب أحد المقاعد بحذر وتوجّه للجلوس بجوارها، أخرج أحد المناديل ومسح يديه بعدما ظن عقله أنهما باتتا محملتان بكمٍ هائل من الجراثيم جراء احتكاكهما بالمقعد، ثم هتف ما إن استعاد ثباته من جديد:
-حاسة بإيه يا حفصة؟لم يكُن سؤالًا متوقعًا بالنسبة لها؛ ربما لأنه منه هو، أو ربما لأنه أتى في وقت رأته هي غريبًا، نظرت إليه بتخدر وكأن عقلها لم يعِ بعد سبب إلقائه لسؤال كهذا في مثل هذا الظرف، ولم تدخر جهدًا لتعبّر عن هذا الذهول؛ فقالت:
-مش فاهمة.ابتسم وقد انتبه لأمارات الجهل التي بدت واضحة على ملامحها، ثم أعاد سؤاله من جديد بصيغة أخرى:
-زعلانة عليها؟-مش عارفة.
كانت إجابةً مشتتة، لم يعلق هو عليها بعدما رآها حائرة بالفعل، في حين سألت "حفصة" نفسها وللمرة الأولى منذ رأت "بدر" يدلف حاملًا "تالا" بتلك الطريقة حول ماهية شعورها حول ما يحدث الآن.. هي بالتأكيد ليست حزينة إلى ذلك الحد، لكنها أيضًا ليست سعيدة، خاصة بوجود ذلك الجزء الضئيل بداخلها الذي يتآكله القلق والخوف حول ما قد يمكن أن تكون ابنة عمها قد واجهته لتصل إلى هذا الحال.
زفرَت "حفصة" بقوة محاولة نفض هذه المشاعر الموتّرة عن بدنها، ولم تلبَث أن هتفت بضيق وهي تمرر أنظارها فوق "أحمد" من جديد:
-ممكن تناديلي حد يطلعني أوضتي؟ حاسة إني محتاجة أنام.-أساعدِك أنا؟
كان سؤالًا تلقائيًا منه، لكنه جعل وجنتيها تحمرّان خجلًا بلا وعي وقد شعرت بخفقات قلبها تتزايد عن المعدل الطبيعي، نظرت إلى ملامحه الجادة والتي أبدت اهتمامًا حقيقيًا بمساعدتها، لكنها رفضت بتهذيب وقد رأت أنها لن ترغب أبدًا في الانهيار أمامه في وقت كهذا، خاصة وأنها على شفا هوة الانهيار الآن:
-معلش ناديلي عمتو أحسن.
أنت تقرأ
اضطراب -قيد الكتابة-
Romanceقلبتُ عيناي بين عمّاتي وأعمامي الذين لاحظتُ وقوفهم معًا بعيدًا وقد انشغلوا في الحديث سويًا، لأنتبه بعد لحظات إلى الباب الذي فُتح، التفتُّ لأرى من الآتي؛ لأرى عمي الأكبر "حسين" يدلف سريعًا، ليدلف من خلفه ذلك الشاب الغريب. شاب!! رمقتُه ببطء من أعلاه ل...