03 | تضحِيَـة

332 83 90
                                    


______

فتحتُ فاهِي لأتحدث ثم أغلقته مجددا بتردد،
إنّي أكرهُ أنْ يُرى ضعفِي لكنْ شيء مَا داخلِي يخبرنِي أنّها على حقْ، وأنَنِي إنْ حررتُ أحزانِي زالتْ ولنْ أبقَى أسِيرَة المَاضي، توقفتْ دوروثي عن المسح على شعري وحاوطتْ يدي الأخرى، وأومئتْ لِي تحثنِي على الكلام، حاولتُ ضبطَ أنفاسِي بالشهيق والزفير عدة مرات ثمَ قلتُ بنبرة خافتة مختنقَة بسببِ غصةٍ بحجم كفِ اليَد فِي حنجرتِي:

-
".. لَمْ يحادثنِي أحدٌ بهذه الودية مِن قبْل، كلُ مَا لاقيته كَان الصراخ والتعنيف اللفظي والجسدِي مِن الجميع..

والدِي، إخوَتِي، الجيران، والجميع..
لمْ يراعِي أي أحدٍ كَوني فتاةً صغيرَة أبدًا، تمتْ معاملتِي كشخصٍ بالغ، مسؤول، يعاقبُ علَى ذنوبِ الآخرين لأنَه خطيئة..

نعم، أنا خطيئة أبِي..

تزوجتْ والدتِي بشخصٍ مهووس بِها وَكُل مَا يهواهُ هي وأن يرَاها بجانبِه، فِي بداية أشهر زواجهما كَان زوجين واقعان في حب بعضهمَا كَأي شخصين حديثي الزواج
لكنْ بمجرد أنْ حملتْ والدتي للمرة الأولى أجبَرها علَى إجهاض الجنين متحججًا برغبتِه فِي عدم الحصول علَى أطفال فِي سنٍ مبكرة
بعد سنَة حملتْ مجددًا صرخَ عليّها وضربَها حد موت الجنين، هربتْ مِنه إلَى منزل عائلتِها، فبقيَ يزورها كلَ يومٍ يتوسلها راكعًا باكيًا لتعود إليّه، لمْ ترضى فِي البداية لكنْ بعدَ عدة محاولات مِنه رقّ قلبها وعادتْ إليه فالمُغفلة كانت تحبه، لكنها عادت بسرٍ لم يعلمهُ أحد سِواها..

الجَنين الذي مِن المفترض أنه ماتَ، لَمْ يمت كانت تعلم بذلك لكن كذبتْ وعرف زوجها عنه فقط ببروز بطنها، جابَ بِها أطباء البِلاد للتخلص مِنه لكنْ كَان كلامهم واحدًا " فِي إجهاض الجنين خطرٌ عليها " كونَها كانتْ مريضة بمرضٍ خطير، تقبّل فكرةَ أنها ستضع مولودًا لكنْ لمْ يتقبل أبدًا فكرة انّ المولود أنثى؛ كيفَ وهوَ الذكوري النرجسِي الذي يرى الأنثى دميةً لإفراغ شهواتهِ الجنسيَة ولعبةً تطبيقٍ لأفكارهِ السَيكوباثية؟

وشاءَ القدَر أنْ تَكون تلكَ الأنثى أنا، خمسُ سنوات أعاني من تعذيبه الدائم لي لفظًا وجسدًا، أستيقظُ علَى أصوات شجاراته مع والدتِي وأنام باكيةً مرهقةً مِن ضربِه لِي، نفس السيناريو يُعاد يوميًا وفِي كُل مرّة أشاهده متألمةً أكثَر، متمنيًة أنني ولدتُ فِي أسرة طبيعيَة..

لكنْ أتعلمَان ما المضحكُ فِي الأمر؟

كنتُ أحبه!

أحببتُه بالرغمِ مِن كلُ مَا فعله لِي، كنتُ أرحبُ بِه بالعناقات والقبلات فينهالُ عليّ بأبشع الألفاظ واللكمات، لكنْ لمْ أكرهه رغمَ ذلك..

على جرف النهايـةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن