38 | الختام: العروس الجثة

80 8 12
                                        

رائحة القهوة واللافندر، طقطقات الكعوب ورنين الهاتف، ظهور مستقيمة ورؤوس مرفوعة، ونسوة كل واحدة منهن أمام مكتبها الخاص في القاعة الواسعة

أشعة الشمس الذهبية تدخل عبر نوافذ المكتب الصغير ترافقها النسائم الباردة، كانت أواخر ديسمبر لكن الجو كان ربيعيا على غير الأسابيع الماطرة التي شهدتها لندن طوال هذا الخريف، الأوراق مبعثرة فوق المكتب الذي تجلس فلور أمامه، حاجبيها كانا معقودين، أسنانها الامامية تعض شفتها السفلى، عيناها تركزان على كل كلمة تقرؤها في شاشة الحاسوب أمامها، بجانبها كوب قهوة بارد لم تعد تتذكر متى آخر مرة شربت منه.

صباح هادئ لا يعكره إلا صوت الكتابة على لوح المفاتيح أو تقليب الأوراق، لكن صوت كعبين يضربان الأرض في خطوات سريعة اخترقا السكون، يليها فتح الباب بعنف ودخول مديرة الجمعية، السيدة جوزيفين، كانت ترتدي سترة سوداء أنيقة وشالاً رمادياً، وعيناها تحملان نظرة حادة موجهة نحو فلور التي رفعت رأسها ببطء بأعين متفاجئة.

قالت المديرة جوزيفين بصوت منفعل:
- فلور! هل يمكنك أن تشرحي لي ماذا تفعلين هنا؟

ترددت فلور للحظة، لكنها أبقت صوتها هادئاً:
- أعمل على قضية السيدة جولي، زوجها قام بتعنيفها مرة أخرى وهي لا تستطيع التبليغ عنه، وقد أرسلت لنا مجددا تطلب النجدة.

أغمضت جوزيفين عينيها تتنفس بهدوء تحاول كبح انفعالها لكنها لم تنجح إذ قالت بحدة:
- فلور، أنت في عطلة! حفل زفافك غداً ولا تزالين هنا؟! متى ستفكرين في نفسك قليلاً؟

أطالت فلور النظر الى الشاشة وقالت بنبرة مرتجفة:
- أنا أفكر في نفسي.. العمل هنا يعطيني سبباً لأشعر أنني أستحق السعادة التي سأعيشها مع كريس..كيف يمكنني أن أترك امرأة أخرى تصارع الخوف والظلم وحيدة لأنني مشغولة بتسريح شعري ووضع مساحيق التجميل؟

ضيقت جوزيفين عينيها، وتقدمت بخطوات حذرة نحو فلور وقالت بنبرة أكثر هدوءا:
- لقد تحدثنا عن كل هذا من قبل، لقد بذلت كل جهدك منذ بداية عملك السنة الماضية لكن أتظنين أن كريس سيكون سعيداً برؤيتك مرهقة؟ أتظنين أنه سيقبل أن تكوني هنا بينما كان من المفترض أن تستريحي وتستعدي ليومكما الكبير؟

فلور نهضت من كرسيها وقالت بنبرة عالية أكثر من اللازم:
- كريس يحبني لما أنا عليه، ولأنني أقاتل من أجل ما أؤمن به.

بدت جوزيفين لوهلة متفاجئة من رد فلور ثم سريعا ما ابتسمت بخفوت تضع يدها على كتف الأخرى وقالت بنبرة حنونة:
- أنا لست ضد ما تفعلينه هنا، بالعكس! أنا فخورة بك وأنت تعلمين هذا، لكن عليكِ أن تتذكري أن هناك وقتاً لكل شيء، هذه القضايا لن تنتهي لكن اللحظات الخاصة مع من تحبينها لا تتكرر.

على جرف النهايـةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن