09 | ذِكرَى دافئَة

182 51 113
                                    

11:02 ليلًا،
31 ديسمبر 2011~

فِي هذِه الظلمَة الداكنَة، أنَا لَا أسمَع أي شيءٍ، لَا ضجّة الركاب، ولَا الرياح التِي تعوِي بِالخارج
فقط صخبُ عقلِي الذِي لَا ينفكُ يُذكرنِي بأشيَاء، مَواقف وأشخاص أخذهُم الزَمن إلّا أنّ ذِكراهم فِي عقلِي لازالَت خالدَة

- ذِكرَى -

فِي إحدَى أطرافِ المزارِع الهادئَة القريبَة مِن مدينَة لندن الصاخبَة، وداخلَ منزلٍ ريفي بَهيٌ رغمَ بسَاطتِه، تنامُ طِفلَة جميلَة لَا تتجاوزُ السبعَ سَنوات، فوقٍ فراشٍ وردِي صغير، يُشابهُ لونَه لونَ منامتِها اللطيفة، التِي جعلتْ ملامحِها الملائكيَة أجمل ووجنتاهَا المنتفختان تبدو كقطعَة كعكٍ لذيذَة

حلّ الصبَاح وإرتسمتْ ألوانُه فِي كلِ مكَان، وراحَ الليل مودعًا معشوقَه الظلامْ واعدًا إيّاه بلِقاء آخر يطفئُ لهيبَ الإشتيَاق، إنطلقَ الناسُ بِسياراتُهم، والفلاحونَ إلَى زرعِهم، والأطفالُ إلَى مدارِسهم، ومرّ الوَقت والشمسُ تكادُ تنتصفُ السمَاء، والطِفلة الحسنَاء نائمة

وأخيرًا وبعدَ أنْ قابلتْ الشمسُ نافذَة غرفتِها ودغدغتهَا أشعَتهَا الدافئَة قطبتْ حاجبيهَا بإنزعاج وراحتْ تغطِي عينَاها بخصلاتِ شعرِها البنيَة لعلّ الشمسَ تستحِي وتتركُها تكملُ نومَها

زالت التقطيبَة بينَ حاجبيهَا وإرتسمَت على ثغرِها إبتسَامَة رضى بعدَ أنْ ظنتْ أنّها نجحتْ فِي طردِ نور الكرَة الذهبيَة التِي تزعجُها دائمًا

ورَاحت تستأنفُ نومَها إلّا أنّها بعدَ ثوانٍ قلّة شعرَت بأناملَ صغيرَة تبعدُ خصلاتِ شعرِها عَن وجههَا ببطئ، فتحتْ عيناهَا تكشفُ عَن السمَاء داخلَهمَا وراحتْ تنَاظر الطِفل الجالسَ فوقَ سريرِها أمامهَا

توترَ الطِفل الصغير وتصبغتْ وجنتاه بُاللون الوردِي وتعالَ صوتُ تنَفسِه وقالَ بحروفٍ متقطعَة وعينانِ مدمعتان مِن الإحراج :
- أنَا.. أنَا فقط.. قلقتُ أنْ تزعجكِ..خصلاتُ شعرِك..وأيضًا غطيتُ الشمسَ بظهري..لِكي تستطيعِي أنْ تكملِ نومكِ..

مَا إنْ أتّم جملتُه إستقامَ من سريرها جاريًا إلَى بابِ الغرفَة المغلق إلّا أنُه فتحَ فجأة وكشفَ عَن سيدَة ببشرَة برونزيَة جميلَة رغمَ التجاعيد القليلة التِي تحملُها، صرختْ بِه بِنبرَة غاضبَة تسندُ كفهَا على جانبِ خصرِها:
- جاك مَا الذي كنتَ تفعله حتى الآن؟ أخبرتكَ أن تقومَ بإيقاظِ فلور فحسب، هل كنتَ تتأملُهَا كعادتِك !

أجابَها الولدُ الذِي لَا يتجاوزُ التسعَ سنواتْ بِنبرَة خافتَة لا تصلُ إلى الحسنَاء الصغيرَة التِي تراقبهمَا وهِي لَا تزال جالسَة فوقَ فِراشِها:
- أمّي لمَا قلتِ ذلِك أنتِ تحرجينني، وأيضًا هيَ تبدو جميلَة جدًا وهيَ نائمَة، أنَا حقًا لا أستطيعُ منعُ نفسِي

على جرف النهايـةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن