الفصل الأول

793 44 3
                                    


في منزل بسيط استطاعت أن تجده بشق الأنفس، تجلس عهد في إحدى أركان الغرفة المعتمة كحال أيامها هذه وما آلت إليه الأمور، ودموعها تتسابق على وجنتيها الملتهبة من فرط البكاء، لا تصدق ما سمعته منه منذ شهر ونصف مضت وكأنها في كابوس ليس إلا، أمطرها بوابل من الاعترافات التي بمثابة ضربة جوية اقتلعت جذورها من الأعماق.
لقد خدعها وهي كالبلهاء صدقته، صدقت حديثه وغزله بها وحبه الكبير لها الذي لا يضاهيه أي شيء في الكون، لتكتشف بعد ذلك أن كل ما عاشته معه ما هو إلا كذبة كبيرة، وأنها كانت مجرد أداة أو وسيلة ليحقق بها انتقامه، انتقامه الذي لا تعلم عنه أي شيء سوى منه هو وكانت وجيعة أخرى تضاف إلى قاموس المواجع الذي لديها .

كم هو ماهر وممثل بارع استطاع أن يستحوذ على قلبها بكل ذرة فيه، واستطاع أن يجعلها كالخاتم في إصبعه يحركه كيف يشاء ويخلعه وقتما أراد.
هي الطرف الغبي في هذه القصة، فقد وقعت أسيرة هواه بلحظة أحبته بشكل مفرط عن الحد المسموح به، وها قد تلقت وجعًا يصعب وصفه ومعالجته في الوقت ذاته .

من ينزع هذا النصل الذي غُرز بصدرها دون رحمة ؟ تتألم وتتوجع تريد الصراخ ولكنها غير قادرة على ذلك .
سبحان من مقلب الأحوال في الصباح فقد كانت في أقصى درجات الغبطة والسرور، فور خروجها من المشفى بعد أن شعرت بتوعك شديد وقررت الذهاب لترى ما بها .
وهنا كانت المفاجأة أنها تحمل جنينًا في أحشائها، أسرعت للمنزل تجهز لهذا الخبر السار ولكن فور دلوفه وما صرح به حال دون أن تخبره بذلك، وكيف تخبره وهو اتهمها بأبشع الاتهامات لذلك تراجعت .

تحول هذا الخبر من مفرح إلى مفجع، فكيف ستتصرف في هذه الطامة الكبرى الآن ؟ إلى من ستلجأ ومن سيصدقها ؟
وما شطر فؤادها إلى نصفين هو عندما أخبرها أنه يحب غيرها، وأنها مجرد فتاة استمتع بقضاء وقت ممتع بصحبتها، لقد ظنته هو الشخص المناسب الذي سيكون سندًا لها بعد وفاة والدها، ولكن ماذا فعل حطمها مثلما فعل معها الجميع ولكن تحطيمه قاسيًا من نوع آخر.

نهضت بصعوبة من مكانها المظلم والموحش ذاك، ودلفت المرحاض لتغتسل وتتوضأ وتناجي ربها بأن يرفع عنها البلاء وأن يساعدها مما هي مقدمة عليه في الأيام المقبلة، والتي لا تعلم كينونتها وما تحمله لها .

***********************************

في فيلا الألفي نزل عاصي من الأعلى، ليقف متجمدًا فجأة حينما قام ابنه الأكبر بإفزاعه، ليضحك إياد وهو يقول بمرح اكتسبه من والديه ومن والدته على وجه الخصوص :- صباح الخير يا حج عاصي ولو إن إزاي حج وأنت عاصي وكلك ذنوب استغفر الله العظيم يارب .

نظر له عاصي بغيظ ليقول في وضع استعداد للانقضاض عليه :- أنا هعرفك إزاي عاصي وكلي ذنوب ما أنت أكبر ذنب عملته في حياتي .

قال ذلك ليركض إياد وهو يقول :- يا حج مش كدة العضمة كبرت وأنا خايف عليك .

كاد أن يصيبه ذبحة صدرية ليقول بغلب:- عضمتي كبرت ! حقك يا ابن سكن حقك بس أنا هعرفك إزاي العضمة كبرت .

المتاهة ( الجزء الأول والثاني)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن