ها أنا أستنشق هواء وطني , اسير بأرض وطني
و أرى علم وطني أخضرًا بسيفيه و نخلته يترنم مع النسيم
ها أنا أعودُ من بعد غربةٍ إستمرت خمسةُ سنواتٍ و نصف
أعودُ لموطنٍ ولدتُ فيه , ترعرتُ فيه
تربيتُ فيه , بل وأحببتُ فيه
و عصيتُ فيه
فقتلني عصياني
و خذلتني حبيبتي
لأعود لأرضك , فأصدق ما سمعته أذناي
لأعود واتمنى لو أن كل ما حدث لم يحدث
أعود وانا الذي لم اتوقع لبرهة اني سأعودُ إليك خائبًا منكوس الرأس
لم اتوقع اني سأعود بلا شهادة
لم أتوقع اني سأعود بعد خداعِ حب طفولتي لي
لم أتوقع اني سأعود لأرى ابي بأحضانها
هذا هو القصر الذي تربيتُ بهِ
هو كما كان لم يتغير بهِ شيء ولكن يبدو بأن كل مايُكنه القصر بالداخل قد تغيرنطقتُ بغصة : وتظني الحصان فاز على فارسه بالهطريقة ؟
وعلى نهاية سؤالي فُتح الباب من خلفي وقبل ان استدير وصلني صوتُ ابي قائلاً بكل سعادةِ الدنيا : وليدي ركــاض
استدرتُ بظهري إليه , لأرد عليه وانا احاول رسم الإبتسامة بشفتي وصورته بأحضان مارسة تزاولني ولا تنوي الإنقشاع : ايه يا ابوي ركاض
لا أعلم مالذي يستوجبُ علي فعله هل أُقبل رأسه بإحترام ام ان اللقاء من بعد الفراق يحتاجُ لأساليب غير المعتادة
ولكن ابي قد ربانا على القسوة ولم نجد الحنان إلا من أمي
تقدمتُ له لأُسلم عليه كما في الماضي
ولكن حدث ما لا كنتُ أتوقعه
لقد ... لقد جذبني إلى صدره !
لماذا في يومٍ كهذا يا أبي
في يومٍ أشعر بهِ انك سلبت سعادتي
لكم تمنيتُ هذا الحنان وانا طفل
ولم تتحق امنيتي إلا بشبابي
إلا وانا رجــل يطول رأسي رأسك
إلا وشعرك كبياض الثلج
في يوم تُصبحُ بهِ معشوقتي لك
في هذا اليوم لا أجدُ بصدري لك أي شوق
فقط يا أبي قناعٌ من زيف
خنت امي بها
و خانت حبنا بك
و خاسرُ المعركة ساجدة وابناءها من بطنها
و من صلبك !
صلبك يا والدي
و تلك التي بالخلف اكثر الخاسرين بيننا
تريديني ان اتجرع العلقم بزواجها من أبي
ولا تدري بأنها أول المتجرعين له
ويبقى السؤال كيف استطاعت ان تخترق حصون ابي ضد النساء
أكان ابي ضعيفًا إلى حدِ ان ضعف مارسة صار قوة !
أكان ذلك قناعٌ تلبسته سنونًا طوال وتبقى غريزيًا تهوى النساء
ولكن لما مارسة من بينهن
إنتفض جسدي وأبي يحك انفه بكتفي ليسيل مخاطه بثوبي الأبيض إنه يبكي !!!
و بكاءُ الرجل لقوة
أيبكي لأجلي ! هل هنالك من يشتاقُ لي
لقد ظننته حينما يتحدث إلي بالهاتف فقط يتحدث لئلا يشعرني بالوحدة
وانا الذي قضيتُ حياتي بالوحدة
طفولتي وحدة و مراهقتي وحدة و رجولتي وحدة
تربيتُ بوحدتي لأصير ركاض
حوطتُ بيدي ظهره لأشده بعيدًا عني و انظر إلى ملامحه الرجولية الباكية
دمعه كالعباب مخاطه كسيلٍ بلا مجداف و يكتنزُ وجهه دمًا أحمر تحت طبقات الجلد
نطق بصوتٍ واهن : طالت السنين يا ابوك , صابني الخوف وانا اظن الموت بيطق بابي وعيني عادها ماشافتك وينك يا ابوك و ميمتك قليبها انفطر
وهي تترجى إبك تنزل لأرضك .
وضعتُ يدي بكتفه : ماهقيت ألاقي هالشوق برجعتي يا ابوي السموحة منك ومن و امي كنت ابغى انزل جدة بشهادتي و اشوف الفخر بعيونك والفرحة بعيون امي
لكن الشوق ذبحني يا ابوي قطعني يا ابوي وهذاني اجيكم اليوم بلا شهادة اجيكم سلام و راجع اكمل ما بديته بنهاية هالسنة اكون انتهيت .
و حوطتُ بيدي رقبته لأستدير و يستدير معي ونمشي ناحية القصر و أول ماوقعت عليه عيناي حال استدراتي مكان وقوف مارسة ولكن لم يعد هنا إلا السراب
ذهبت كما غادرت حياتي بأكملها إنها لا تحل لي ولن تحل لي
دخلنا للقصر الذي كان بابه مردود
و على دخولنا كان معن سيخرج
توقف عن الحراك و كأنه لم يتوقع مجيئي وهو الذي كان بعلمٍ عن كل شيء إلا حبي لمارسة
تقدمتُ إليه لأجره حيث مكث أبي بصدري
نعم أتجرأ ان احتضن اخوتي ولكن أبي لم اعتد على ذلك بل إنني شعرتُ بالخجل وانا احتضنه
وهذا ما هو إلا حاجزٌ تصنعهُ بعض العائلات مع ابناءها بالرغم من سهولة الأمر إلا انه يبدو الأصعب
سحبني من شعري بعيدًا عنه وهو يضحك و يقولٌ بصوتٍ منخفض : الظاهر عجبوك بنات مصر وحليتلك القعدة هناك
نظرتُ إليه بطرف عيني و مشيت وهو من خلفي يضحك وأبي من خلفنا بسومٌ لا يدري لما يضحك معن
أخي معن هو الأجرأ بين اخوتي والأكثر تمردًا بينهم من بعدي
و لكنه عندما يجلسُ مع رجال أمثال الكاسر يصير رجلاً آخر كما يريده الكاسر
يستطيع ان يتغير كيفما يشاء
اما أنا فكما أنا
فقط أُخفي عصياني لربي عن ناظرهم
دخلنا إلى المصعد حيثُ غرفة والدتي " ساجدة "
كيف اصبحتي يا أمي هل أصبح شعرك كبياضِ ثلج أبي
أم لا زال يحتفظ بلون الغسق الأسود
هل أصبح جسدكِ واهنًا كجسد أبي
و هل رسمت التجاعيد نفسها بكِ
هل انتفخت عروقك الخضراء لتصبح ظاهرة للعيان دون تركيز
تقدم معن بإتجاه حجرتها ولكني استوقفته قائلاً : خليك انا الي بشوفها بنفسي
إحترم معن رأيي فهو يعلم بحبي العميق لوالدتي وعلى الرغم من حبي هذا إلا انني اضع اكبر اللوم بالمعاصي التي ارتكبتُها ولا أزال ارتكبها بها هي من عودتني الدلال
و على نيل اي شيء وكل شيء مهما كان الثمن
و أنال الفتيات والثمن جبال المعاصي و اشربُ النبيذ والثمن لن أذوق خمر الآخرة و أصلي و تارة لا أُصلي والثمن غالي و اغلى ما يكون و كيف لا والفرق الذي بيننا وبينهم الصلاة !
طرقتُ باب حجرتها
ليجيء صوتها الحنون : ادخل
ولكني لم أدخل
و عدتُ لأطرقه
فيجيء صوتها اكثر وضوحًا من ذي قبل : ادخـــل
و لم افتح الباب
وطرقتُه لثلاث مرة ليُفتح الباب فأراها أمـــــي أحب البشر لقلبي
شهقت بقوة , حتى ظننتُ أن روحها ستخرج بزفرة
قالت وهي تكاد لا تصدق عينيها , تكاد تُكذب حقيقة
تكادُ تقول إنه لحلم وما هو بحلم
تكاد تقول إنه تلاعبٌ من شيطان
و ما هو بشيطان
لينطق لسانها كما برمجته خلايا دماغها : ركـاض
و لتصدقي يا أمي أني ركاض بـ : امي
إنهمرت دموعها تلقائيًا كانت مابين أهدابها وعندما أصدقها لساني حقيقة رؤيتي بكت
لم تبكي حزنًا بل هذه الدموع تسمى دموع الفرح
نعم نحنُ نبكي عندما نحزن و نبكي بنقيض ذلك
فقط لأن الألسن لا تجيد التعبير ولغة العين الأولى البكاء
إلتفتُ للوراء باحثًا عن أبي وانا الذي قد نسيته ولكني لم أجده
حوطتُ بيدي رقبة امي وانا ازرع نفسي بأحضانها
انه صدرُ أمي إنه الحنان هذا فقط ما كنت احتاجه
هذا هو الآمان الذي لم أجده بغربتي قط
هنا سأنسى كل شيء هنا سأعود ركاض الطفل المدلل الذي ضحك عليه زملاءهُ ليتحول إلى شيطان بجسد إنسان
أنزلتُ يدي باحثًا عن يدها قبلتُها بعمق و عيناي معلقة ببقعة الحناء التي تحتل منتصف يدها واطرف اصابعها
هذا هو موطني هذا هو أنا
: تكفين يا يمه لا تبكي دمعك غالي
نطقت وهي تبتسم من بين بحر الدموع : و ما تنزل إلا للغالي .. ما تدري يا وليدي وش كثر هالغيبة اقتلتني كانك اقرب من لي بهالدنيا وغبت عن ناظري ست سنين
وش هالقساوة يا وليدي يومك تسافر قلت مرده لـ وميمته وكيف واهوا الي ما بعد عنها ثواني حتى يعود لها ما هقيت يقسى قليبك علي
لو انا بدراية انه بيصير كذيا كان وقفت لك بالمرصاد آآه يايمه حرقت بقلبي نار و كانت تغلي بكل ثانية
ايه يا وليدي الوقت ذه كله وانا افكر إبك .
مددتُ يدي إلى وجنتيها التي ذبلت عن السابق مسحتُ دمعها
وانا اراجعُ ذاتي وألومها ماذا لو عدتُ ولم , لم ... لا لا سحقًا و تبًا لك لن تموت هي لن تموت قبلك انت الذي ستموت وان احتاجت ان تهبها روحها فهي لأجلها
نعم هي التي مهما فعلت لن أفيها و لو بزفرةٍ واحدة
أغمضتُ عيني وكلمة واحدة فقط خرجت من شفتاي عن كل ما مضى : سامحيني
و هل ستمحى الخطيئة بسبعة أحرف كونت معنى واحد
معنى يلقبه البشر بما الفائدة بهذه الكلمة لن ترد لي ما أريد
وينسون بأنهم بشر والبشر على الخطأ يسيرون
ولكن أمي غفرت لي بإبتسامة نقية
و خطت لداخل الحجرة تحثني على السير من خلفها ففعلت
جلست هي على السرير و وضعتُ رأسي بفخذها واستلقيت
و اخذت تمسح على شعري وانا احدقُ بالثريا كما الماضي تمامًا
كنتُ أمكث هنا بهذا المكان وانظر للثريا فأقول لنفسي هل ستكون والدتك راضية عما تفعل
فتجيب نفسي بـ لا
واخرج من حجرتها وانا أعدُ نفسي أن لا أفعل
و ما ان اختلي بذاتي حتى يجيء شيطاني فأفعل !
طالما احترتُ وانا امكث هاهنا من كل المعاصي الصغيرة التي هي بأعينِ المحافظين كبيرة
إحترتُ هل اشاهد فلمًا إباحيًا , هل ادخن ؟ , هل انظر للخادمة كما يحلو لي ؟ هل هكذا امور ستبقي حُب أمي لي
كانت اجابة الاسئلة الثلاث الأولى لا تفعل و الإجابة الأخيرة لن ترضى
و لكن الأفعال تناقض الأقوال فأفعل وأُخفي فعلتي فأنسى أو بالأصح أتناسى انه يرى و كيف لا يرى وهو الذي خلقني من طين !
و لا ادري هل إبتعدتُ عن أرض وطني لأحصل على شهادة ام أجدد من نفسي ام اغرق بالمعاصي كما يحلو لي ولا أحدًا منهم يدري
اغمضتُ عيني وانا استمعُ لصوتي امي وهي تحكي لي وبين الكلمة والأخرى تطنق " والله إنها بنت ناس ومتربية "
و لا تدري بأن فتاة احلامي اصبحت ملك أبي
لا تدري بأن أبي قد خانها
ستعلمين قريبًا يا امي بهذه الحقائق المُره
ولكن ما موقفك ِ ؟
أنت تقرأ
حيزبون الجحيم
حركة (أكشن)🔸رواية حيزبون الجحيم احداثها .. ذاتَ طابع درامي بحبكة بوليسية..يغطى عليها الأحكام الشرعية وعلاقات الحُب بأنواعها ( حلال و حرام ) .. وما يترتبَ على كل علاقة ونهايتها الرواية بدأت بقضية وأد البنات والعادات الجاهلية .. والطمع والظلم .. وما سيؤول عل...