29

36 2 0
                                    

أصبح ظانع لا يغيبُ عن مرأى عينيّ مطلقًا فهنالكّ ما يخفيه ، منذُ أن دخلتُ للمنزل و أنا أظنُ بهِ سوءًا و لكني في كلِ مرة كنتُ أقول لذاتي
دعكّ من الفضول يا أغيد لقد أكرومك فلا تتعسهم دون أن تدري ، و لكن بعد مجيء الخالة مزنة لي ، و إلحاحها عليّ بمراقبةِ ظانع
و عبدالقوي الذي حتى الآن لم أرى منهُ سوءًا قائلة بأن هنالكّ أسرار لا بد من الكشفِ عنها و أن عبدالقوي ليس كما يظهر و ظانع كالظلِ لعبدالقوي منذُ سنين طويلة فإن كنتّ أنتّ يا أغيد تشكُ بظانع فأنا بريبٍ من أمرِ عبدالقوي لذلك دعهم نصبّ عينيك و كُن سرًا بسعادةِ هذه الاسرة التعيسة إن أردت ، فالأسرار تعني الدمار ، و انقشاعها يعني الأمان ، فكان هوّ كالظلِ لعبدالقوي و كنتُ ءنا كالظلِ لهُ حتى رأيتُه ذات يوم يُغير الروتين المعتاد من الشركة للمنزل و من المنزل للشركة فيذهبُ إلى مكانٍ بعيد و إلى حيٍ عتيق فيفتحُ أحد الأبواب و يقتحمُ المنزل و بيدهِ حاجيات أرديةً و أدوية و مأكولات ، سرعآن ما خرج و يديهِ فارغتان يبدو أنهُ وضع الحاجيات و خرج و لكن لمن تلكّ الحاجيات ؟! ، هل يمكن ان تكون زوجةً أخرى لهُ و لكن إن كانت زوجتُه فلما لا يقعدُ معها ! أسئلةً بلا جواب رحلّ هوّ و بقيتُ أنا أمام المنزل ، أعودُ للمنزل للنوم و من ثم أعودُ لمراقبةِ هذا المنزل الذي لا أحد يخرجُ منهُ مطلقًا ! و لا أحد يطرقهُ بتاتًا ! ،
طرقة بيدي اللامبتورة و طرقتان و من ثم اختبأتُ وراءَ أحدِ السيارات ، فإذا بالباب ِ يُفتح و تظهر من خلفهِ إمرأة
و يبدو على ملامحها الخوف الذي سرعآن ما تحول إلى الغرابة حينما لم تجد الطارق ، لما الخوفُ يا ترى ؟! ، هل لأن طرق باب المنزل
أشبهُ بالمحال ! ، كمّا أنها تبدو فلبينية و قد خرجت برأسها دون حجاب يبدو أنها خادمة و لكن لمن ؟!

***

الساعة التاسعة صباحًا في مدينة السادس من أكتوبر بسجن الجيزة المركزي بمصر ، تمّ عرضي على النيابة التي قررت حبسي على ذمةِ
التحقيق، مرت أربعة أيام و تم تجديدها لخمسة عشر يومًا بعدها تم إحالتي إلى المحكمة الجنائية ، فنطق القاضي حكمت المحكمة
بالسجن للمدعو ركاض عبدالقوي حتى يتبين الأمر من المراكز العسكرية السعودية و المصرية ، رُفعت الجلسة ، و على هذا تم سجني
منذُ فترةٍ ليست بقصيرة و منذُ ذلكّ اليوم لم يأتي أيُ فردٍ من أسرتي و لم أتوقع منهم هذا ، و اليوم و بعد انقضاءِ تلكّ المدة نادى
السجان اسمي مشيرًا إلى أن هنالك زائرًا لي .

*

مكثتُ ليلة الأمس في مدينة ستة اكتوبر و التي يوجدُ بها سجن الجيزة المركزي ، ركبتُ سيارتي فجرًا فمصلحة السجون التابعة لوزارة
الداخلية لا تسمح إلا بزيارتين كل خمسة أسابيع بتمام الساعة التاسعة صباحًا عدا يوم الجمعة و السجن خارج نطاق الكُتلة السكنية
لذلك توجب عليّ الاستيقاظُ مبكرًا قبل انتهاء وقتِ الزيارة ، وصلتُ قبل الميعاد بنصف ساعة و انتظرتُ حتى سمحوا لي بالدخول عبر بوابةٍ
إلكترونية في الباب الرئيسي للكشف عمّا إذا كان معيّ أدوات حديدية أو معدنية ، و سجل أفراد الحرس اسمي " معن عبدالقوي "
و تمّ سحب بطاقتي الشخصية و الاحتفاظ بها حتى انتهاء الزيارة ، و أخيرًا وبعد عناءِ طويل ها أنا أنتظرُ قدوم أخي ركاض الذي
أشغلتنا مصائبنا عنه ، وقفتُ من على طولي و أنا أراه مُقيدًا بالأغلال عن يمنيه و شماله سجانان بملابس رثة و شعرُ ذقنهِ طال فصارت لهُ
لحيةً مبعثرة و شعرٍ أشعث و كأنهُ لم يستحم لمدة طويلة ، جلستُ و جلس أمامي
مددتُ يدي و أمسكتُ بيدهِ بقوة و بهلع : شفيك يا ركاض ما عهدتك بهالمظهر ؟! ، اذوك بشي ؟
ابتسم ابتسامة باهتة : في السجن كيف تبي شكلي يكون يا استاذ معن ! ، و الله مافي أي أذية حكموا علي بالسجن لمدة ما تقل و لا تزيد
عن ثلاث سنوات مع أشغال تقررها الحكومة .
عقدتُ حاجبي و باستنكار : لكن الي سمعته من الكاسر أفضل من كذا قالي إنهم بيخففوا عنك !
حرك رأسهُ ايجابًا : و هذا الي صار حكموا علي بالسجن بدل السجن المؤبد و المشدد و الاعدام ، و خلوها ثلاث سنين في حال ما تبينت
الحقيقة لانه الثلاث سنين هاذي أساسًا بند عسكري منصوص عليه إذا كانت العقوبة بالسجن و لكن لأني حالة خاصة في حال انحلت القضية
بيفرجوا عني بإذن الله .
تنهدتُ براحة و أنا أشدُ على يده : و بإذن الله بتخرج إنت و الكاسر و مرته .

حيزبون الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن