37

29 2 0
                                    

ان نفعل من الخطايا و الذنوب مالا يعدُ و يُحصى و ننسى بكلِ برود ما اقترفناهُ من قذراة يجعلنا في يومٍ ما نرتطمُ بقاع الأرض
هذا ما حدث تمامًا حينما ذهبتُ لمقابلةِ الزائر فوجدتُ مزنة و فتاةً مراهقة ترتدي العباءة و الوشاح يغطي شعرها بإحكام بينما وجهها ناصع البياض يظهر دون أي مساحيق تجميل
قالت مزنة بابتسامة واسعة : بنتك مي
أن نرتطم بقاعها ثم نظنُ أننا لم نسمع بشكلٍ جيد , أو أننا سمعنا ما لم يُقال , أننا نتوهم
أو أننا نتمنا ما لم نسمع , نتمنا لو أن ما سمعنا باطل
إلا أن شيئًا مما تمنينا بطلناهُ يُثبتُ أنهُ حاضرًا , بصوتهِ الذي يخرج مبحوحًا مهتزًا
ممتلئًا بالكثير من المشاعر المتناقضة و المتفاوتة ما بين الحنين و البغض
صوتًا يُعيدُ الصور و يُثبتُ أنهُ حقٌ لا باطل
صوتٌ نطق فقال : أنا مي من شكران
شكران ؟ من كانت شكران في حياتي سابقًا
راقصة عاهرة أأخذُ منها ما أريدُ من شهوةٍ و نزوة و أُغدقها بالمال
هذهِ رؤيتي لأمثال شكران و غاب عني حينها أني أنا لا أختلفُ كثيرًا عن هذهِ البيئة
فأنا منهم أغدقُ المال لأنال الشهوة بدمٍ بارد و روحٍ جامدة
أعتنقُ الاسلام اسمًا و لا أتقيدُ بشيءٍ منه
و خطيئتي السابقة أرادت أن تُثبت ذاتها في حاضري أن تحكي لي عن ابنة جاءت بالحرام
عن ابنة حرصتُ يومًا أن تموت قبل أن تولد فوسوستُ لشكران بما يدورُ في ذهني بأنها قد تكون ممن رميتُ بها عليه
نعم رميتُ بمن أخذتُها بعقدِ زيجةٍ باطل في أحضانِ رجلٍ غيري و نظرتُ لها كالديوثي بلا أدنى احساس
بكت حينها و ترجتني أن أتركها أن لا أجعلهُ يقتربُ منها لكني لم أرحم ضعفها و بعتُها بأرخصِ الأثمان
لكني اليوم أدركتُ أنها فتاتي و مني من هذهِ الملامح الجلية ففيها مزنة و فيها أنا و فيها وطني و في لونِ بشرتها مصر و شكران
نعم هذهِ الماضي الحاضر , هذهِ عقابي و جحيمي
مي جحيمي الذي عليَّ أن أحتويهِ و أضمهُ لي و إن كان جحيمي
عليَّ أن أحرصَ عليهِ و إن كان يُذكرني بقذراتي
عليَّ أن أدخلهُ لقلبي و إن كان يحرقني بلا رحمة
مي من أتيتُ بها بالحـ
حتى الحروف تعجز عن النطق , من أتيت بها في غفلتك و تعودُ إليكَ في يقظتك
لتكون حسرتك التي لا تنتهي لتكون الأمنية التي ما توجت بما يرضيهِ جلَ جلاله
لم أشعرُ إلا بضرباتها و هي تنتثرُ في صدري بكلِ قوة بصوتها الذي يتعالى
بشهيقها بضعفها و هوانها بروحها الممزقة
تحكي لي أن لا ذنب لها
سوى أني جلبتُها للدنيا في غفلةٍ مني
تحكي لي كم أنها مظلومة و كم ظلمتها
تحكي لي أنها نزوتي لكن الحياةَ لم تكن نزوة
كم بكت , كم تمنت أنها لم تلد
كم قذفوها و كم تحملت
: أنا بكــــــرهـ........ك بكـ.....رهـ...ك إنتا مش انسـ...ان , يالتني ما اتولـ....دت يارب خـ...دني لعندك واللهي تعبت تعبت أوي , أنا بكـ..ره كل حـ...اجة فينـ..ي
لما أبص لنفسي في المرآية أحـ...س إنـ..ي غلـ..طة في الحيـ...اة محدش بيحبـ...ها و محدش بيتمناها أحس إنـ...ي رخيصة أوي و أنا معملتش حـ...اجة بكره نفسـ...ي بكـ...رها
ايـ...ـه زنبي دايمًا بسـ..أل نفسي السؤال ده , أنا ايه إلي عملتو علشان يصير فيني كده , أنا ليه حظي وحش كده , أنا ليه و ليه , و بعدين بكل بساطة أجاوب نفسي بنفسي
لأنو بابا انسان وسخ .. لأنو بابا ماكنش عاوزني .. لأنو بابا معملش في حسابو إني هجي للحياة .. لأنو بابا ما فكرش بحاجة إلا شهتو و نفسو
ما فكرش بربو و لا دينو و لا حتى ضربية وساختو , لأنو أنا مكتـ..وب و مقـ...در ليا أكون بنت واحد مش مسؤول , مكــتـ...وب ليا أبتلي البلاء ده و لو نجحت في صبري عليه فربي بيحبني
الله بيحني علشان كده امتحني فيك و أنا لو نجحت في الامتحـ...ان ده هكون نجحت في رضى ربنا , ربـ...ك إلي و لا يوم فكرت في رضاه هتوئف في يوم ئداومو و هيسألـ..ك و هيحاسبك
بإيـ..ـه هتجاوبو ساعتـ...ها ؟!
و حملت ذاتها و راحت راحت للبعيد
و آخر ما رأيت نظرةَ الخذلان بعيني أختي مزنة
التي ظنت أن مي ابنة حلال
أختي التي رمتني بنظرة كانت كنصل السيف
الذي قضى على ما تبقى مني بعد وقعِ كلماتِ مي علي
ما تبقى لي أحد , فقد خذلتهم
و ها هم يرحلون دون الرجوع
ما تبقى لي أحد
راحوا و بقيتُ وحيدًا بلا قريبٍ و لا أنيسٍ و لا جليس
راحوا حتى دون الوداع
فحتى الوداع لا يرضى أن ينحني لي
حتى الوداع يرى أني لا أستحقه
و ها هي نار الجحيم تحفني بلا رحمة .



حيزبون الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن