في سجونِ جدة , المكان الذي اعتدنا زيارتهُ في الآونة الأخيرة بل صار كالمنزلِ لنا
ما أن يخرج أحدٌ منهُ حتى يزجُ غيرهُ بهِ , مكانٌ كئيبٌ معتم لم نعتقد و لا ليوم أننا سندخله و لكن أجبرتنا الحياة على دخولهِ بكثرة
و ها نحنُ قدمنا هوياتنا و طلبنا زيارة جماعية , نتوزع على الكراسي بتوتر أنا و أختي عُزوف و هوازن و أخي هزيم و خالتي ساجدة
في انتظارِ قدومها , في انتظارِ رؤيتها , في انتظارها أختي التي عانت كثيرًا و علينا تعوضيها قد المستطاع عما فات
و بينما نحنُ على الكراسي طلت علينا فتاة بشعرٍ أسودٍ غزير يصلُ لأكتافها و يغطي جانبًا كبيرًا من وجهها فلا تظهرُ لنا سوى عينها اليسرى عن يمينها سجانة و عن يسارها أخرى
فتحت إحداهن القضبان الحديدية عن يديَ مي
فوقفنا جميعًا من الكراسي و تقدمنا أخي أصلان إليها و الذي كان أكثر توترًا و شوقًا إليها و إن كان يحاولُ إضمار شوقه فحنينهُ فاضح
فهوَ مهما كان التوأم لها لذلك مشاعرهُ أكبرُ منا فهي و إن غابت عنه سنينًا هيَ جزءًا منهُ في كل شيء
قاسمتهُ رحمَ والدتي , قاسمتهُ الملامح و الحضور , قاسمتهُ الشتات و قسوة الأيام
تقاسما كل التفاصيل حتى في بعدِ المسافاتِ و طولها , ولذلك كانت في عيني أصلان مئات الحكايا
حكايا الشوق , الاشتياق و اللهفة حكايا الشغف , البهجة و الأمل , الفأل , اليمنُ و المسرات
و دمعةَ فرح حبيسةَ المحاجر تتوارى عن أنظارِ الناظرين
وقفَ أمامها تمامًا و مدَ يدهُ الغير مبتورة حتى صارت في منتصفِ الطريق عالقة في الهواء لا هيَ لآمستها و لا هي عادت إلى ما كانت عليه
كانت يدهُ تنتفضُ بوضوح بكلِ تردد , لكن سرعان ما قطع المسافة و استقرت يدهُ على شعرها الذي يغطي نصفَ ملامحها
أزاح شعرها للوارء حتى بزغت ملامحها الفاتنة بأنوثة باذخة رغمَ أنها تشابههُ تمامًا تُشابهُ هيبةَ رجلٍ باذخة !
مي و أصلان النسخة المطابقة لبعضهما البعض كأن كلاً منهما ينظرُ إلى ذاتهِ بالمرآة هيَ تختلفُ عنهُ بشعرها المسدل بفتنة و هوَ يبعدُ عنها بلحيتهِ المحددة
العينان تنظرُ بمشاعر متفاوتة , و القلوبُ تشتاق , و الألسن عجزت عن الحديث
لكن هيَ في المقابل كان لها ذات ردةِ فعله مدت يديها و حاصرت وجهه و ما فعلت كان محفزًا جعل لسانهُ ينطقُ بعد عجز : مي شقيقتي توأمي
ذرفت عينيها الدموع فامتدت يداهُ تحاوطها و تجرها لحضنه , فبكت بعجزٍ وضعف في حضنه بكت و بكت
و قد كان صدرهُ متسعًا لدموعها و أشجانها
متسعًا لها فهيَ منهُ , هيَ ذاتها هوَ , و هوَ ذاتهُ هيَ
كان الموقفُ مؤثرًا بكت عُزوف ولحقتها هوازن فخالتي ساجدة
و كانت دمعتي على حافةِ السقوط ولكني نهرتُها عن السقوط فأنا مثل أبي و هزيم دمعتي عزيزة
تباعدت الأجساد قدرَ أُنملة و تأملت الأعين حتى شبعت ليس شبع سنين لكنهُ شبعٌ لدقائق تكفينا لتبادل الأحضان ريثما يشتاق التوأمان لبعضهما البعض
نظرت إلينا واحدة تلو الأخرى بترددٍ جليٍ على ملامحها , فتقدمتُ أنا نحوها و تلقفتُها بالأحضان قبل أن تستوعب أني أصبحتُ أمامها , اشتممتُ رائحتها و حفظتُ تفاصليها
همستُ لها بحنو : منورة قلوبنا يا مي , كلنا والله كلنا فرحانين فيك .
و ابتعدتُ عنها ليتسنى للبقية احتضانها و هكذا
حتى توزعنا على الكراسي أمام بعضنا البعض
بدأت خالتي ساجدة بالحديث الذي اتفقنا جميعًا عليه و قد تحدثت بما يسهلُ فهمه على مي مصريةَ اللهجة : مي بنتي أنا و أبوك و أخواتك و أخوك كلنا يا بنتي مسلمين , و ترى يا بنتي الدين الاسلامي نور الانسان في دنيته
المسلم دايمًا يكون في صلة مع ربه إلي خلقه بصلاته , الله سبحانه و تعالى خلقنا و الله سبحانه و تعالى نزل الشرائع السماوية نزل االتوراة على موسى و بعدها الإنجيل على عيسى
فيه بعض الأمور في شريعة موسى عليه السلام محرمة صارت مباحة في شريعة عيسى عليه السلام و آخر شريعة كانت في يد نبينا محمد صلَّ اللهُ عليه وسلم بنزول القرآن , ديانة كل الأنبياء ديانة وحدة
بحيث الله سبحانه و تعالى ختم الرسالات برسالة الرسول محمد صلَّ الله عليهِ وسلم و نسخ بشريعته كل الشرائع , بتفكري و تقولي مادام كل الشرائع نزلت من ربي فليش أساسًا ما نزلت شريعة وحدة
هالشي ابتلاء من الله لعباده عشان يتبين المطيع من العاصي , و إنتِ يا مي الحين رجعتي لأهلك و ناسك لوطنك و للدنيا إلي تنتمين لها نبي فرحتنا فيك و بوجودك تكمل بدخولك للدين الصحيح , نبي هويتك الجديدة تطلع
باسم مي أصل الحكمي و عليها كلمة مسلمة , ما تبي يا مي تكوني زي توأمك و أخواتك و أبوكِ و عمتك ؟
أنت تقرأ
حيزبون الجحيم
حركة (أكشن)🔸رواية حيزبون الجحيم احداثها .. ذاتَ طابع درامي بحبكة بوليسية..يغطى عليها الأحكام الشرعية وعلاقات الحُب بأنواعها ( حلال و حرام ) .. وما يترتبَ على كل علاقة ونهايتها الرواية بدأت بقضية وأد البنات والعادات الجاهلية .. والطمع والظلم .. وما سيؤول عل...