33

73 3 1
                                    

ها نحنُ في المشفى منذُ دخولهِ لحجرةِ الفحص و أنا أمشي جيئة و ذهابًا أنا أعرفُ جيدًا ما بهِ و لكن لا أريدُ أن يصدُقَ حدسي ، لحسن الحظ أني كنتُ معهُ وقتَ أخذهِ لنتيجة تحليل الأبوة فأنا أعلم
أنَّ أبي كان متشبثًا بالأمل و لذلك خفتُ أن يحصل لهُ شيء و قد حصل ، خرج الطبيب بعد مدة و مشيتُ باتجاهه و هوَّ باتجاهي من المفترض أن خوفي يدفعني للسؤال قبل أن يتكلم و لكن يبدو أن
حالةَ أبي بغايةِ السوء فقد تكلم مندفعًا قبل سؤالي : سوينا له أشعة و شفنا مخطط صدى القلب مضطرين نسوي له قسطرة نبي الموافقة منك .
تجمدتُ بمكاني بلا حراك قسطرة ! قال قسطرة يعني أن أبي مصابٌ بالنوبة القلبية ، وضع الطبيب يدهُ على كتفي فعادَ الوعي إلى عقلي و حركتُ رأسي بالموافقة متممًا الاجراءات اللازمة ، عافاك الله
و شافاك من كلِ شرٍ و مكروهٍ يا أبي .

***

و على الشيء الذي نمتُ عليه استيقظت بتمام الساعة الثانية عشرَ ظهرًا ، أمسكُ بهاتفي المحمول و أدخل " للواتس اب " لأقرأ بمشاعر متناقضة ما بين الشفقة و الرحمة و الكرامة و الكبرياء مدَّ يدِ العون و اللامبالاة " يا أختي
زوجك معن مريض نفسي و أنا الدكتور حقو لو سمحتِ يا أختي قولي لمعن إنو تعزيبو
لنفسو ما يفيدك بشي و إنك ما تبينو يعزب نفسو علشان يبطل من تعزيب نفسو لانو حالتو جدًا سيئة و ربي ما يرضى على هلاك النفس حتى لو ما كنتي راضية عنو المهم إنو يبطل من دا
العزاب و إنتي كدا كدا مو خسرانة شي"
هل أساعدهُ ؟ لكن لماذا ما المعروف الذي قدمهُ لي حتى أساعدهُ مما هوَّ فيه ؟! دائمًا ما كان حزني و شقائي و جُل همي و غمي و لم يكن عونًا مطلقًا لماذا أكون عونًا لكَّ يا معن ؟ لماذا يجبُ عليَّ الصبرُ
عليكَّ ثم مساعدتك و ما يضحك أنكَّ أيضًا تريدُ المغفرة ، تريدُ مني التنازل دائمًا بينما أنتَّ لم تتنازل يومًا كان كبرياء الرجل الشرقي يتلبسُك حتى ندمت أشدَ الندم بل و كُنت قاذفًا و جلادًا تضربُ
زوجتك ضربًا مبرحًا بلا رحمة و لا شفقة و ترى أنكَ على صواب أقسمتُ بعفافي و شرفي و أقسمت بدناءتي و انحطاطي ، لم تقل و لا ليوم أنا طيلة سنين زيجتي لم أرَّ منكِ سوءًا بل طيلة السنين
كُنتَ ترميني بالسوء ، كيفَ يريدَ طبيبك المساعدة مني ؟ أوليسَ عليكَ أن تذوق العذاب الذي أطعمتني إياهُ اثنا عشر سنة ، قبضتُ على الهاتف بقوة و أنا أنظرُ لهُ و أرتبُ أفكاري لآخرِ لحظة ،
أغمضتُ عيني و سحبتُ أنفاسي و عُدتُ لفتحها تارةً أخرى و أغلقتُ الهاتف كُليًا لا أريدُ سماع أي شيءٍ عنه فمنذُ ظهور براءتي هوَّ لا يعني لي شيئًا و متى ما يظهرُ أبي سأحتمي بهِ و أغيبُ عنكَ
و كأني لم أكن , لكن أنتَ كُنتَ و مازلت ، تبًا يا قلب دائمًا تختارُ بغباء و تتجرعُ ويلَ اختيارك ، لكن هذهِ المرة ستتجرع ويل الغياب و الفراق لتحيا الكرامة و الكبرياء .

***


حينما استيقظتُ من النوم ارتديتُ حجابي خوفًا من أن أرى زوجَ مزنة و فتحتُ حقيبتي أخرجتُ من داخلها أرديةً داخلية و خارجية و أغلقتُها وقفتُ أمام الباب متحيرة هل أخرج أم أني سأقابلُ تلكَ
البكماء و يتعكر صفوَّ يومي و أخيرًا فتحتُ الباب ببطىء و توجهتُ لدورةِ المياه ، و بعد خروجي أمسكتُ بهاتفي المحمول أُمضي اليومَ بهِ بانتظار انقضاء اليوم ستكونُ كل
أيامي انتظارًا للغد حتى أموت سأعيشُ و كأني بلا روح لن أتواصل لن أتحدث و سأحاول تجاهل التفكير سأعيشُ بلا هدف و أموتُ بلا انجاز سأموتُ لأُنسى لا لئن يتذكرني أحدهم شفقةً على حالي ،
مضت ساعتين وصارت الساعة الواحدة ظهرًا حتى طُرقَ الباب و دخلت مزنة مبتسمة : صاحية يا بنيتي ليه حابسة نفسك كذيا ؟
أجبتُ برسمية : تعبانة .
و لا أدري عن أيَّ تعبٍ و ألمٍ أتحدث ، الألم النفسي أم الجسدي
لتنجلي الرحمة على تقاسييم و جهها
أشحتُ بوجهي عنها كم أمقتُ هذهِ النظرة و أريدُ انتزاعها من كلِ عين ، وصلني صوتها : تتغدي معنا يا بنيتي و لا تريدي الغدا على سريرك .
أجبتُ دونَ النظرِ لها رغمَ أنها لا تستحق هذهِ المعاملة الجافة فهيَّ من كشفت الأوراق قبلَ أن تزداد سوءًا بزيادةِ الابناء و السنين و هيَّ التي ضمتني إلى منزلها و آوتني رغمَ أني لا أقربُ لها
و لا بأي شكل لكن نظرةَ الشفقة التي بعينيها لن أسامحها عليها بتاتًا و سأعاملها برسمية كما الجميع فأنا جسدٌ بلا روح و سأفقدُ كليهما بوفاتي ، بجمود : على السرير .
قليلاً من الوقت حتى أوصدت الباب و خرجت ، قذفتُ رأسي على الوسادة أنظرُ للسقف بشرود سرعان ما تغتالهُ الافكار المنهكة للعقل ، لكني ساحاولُ أن لا أفكر مطلقًا .

حيزبون الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن