32

60 4 0
                                    

طرقٌ مستمر على الباب بالظهيرة , قمتُ من على الأرض متوجهة إلى الباب و حسناء تنظرُ إليَّ بخوف تخافُ أن يكون عبدالقوي
من خلف الباب تساءلتُ بثبات : مين ؟
جاءني صوتُ امرأةٍ مصرية قالت ما قالت من غرابة : أنا شكران مرات أخوكي هزاع و معايا بتي مي .
امرأةُ هزاع ! , هل تزوجت يا هزاع دون درايةٍ مني !
غدرت بأرضٍ تعيشُ بها , تستنشقُ هواءها و لدتَّ و ترعرعت بها
لم تكترث لوطنك آذيت أبناؤهُ و تنكرت تحت غطاءِ الفارس المبجل
تورايت عن الأنظار بعدما صرتَّ صفحةً مرئية
لُقبتَّ بالخائن و لقبتُ بأختِ خائنِ الوطن
بحثوا عنك و دعيتُ لكَ بالستر
طال الغياب فكتبتُ شهادة موتك و لم ينتهي ميلادُكَ بعد !
بكيتُ كثيرًا لأنكَ آخرُ ما تبقى ليِّ من عائلتي كنتُ أشتمُ بكَ عبير أبي و أرى بعينيكَّ حنان أمي
و أكثرُ ما قاسيت هو الغيابُ بلا وادع
الموتُ بلا جثة !
ألم تكتفي بوطنكَ الأصغر و الأكبر !
سامحكَ اللهُ يا أخي و غفرَ خطاياك
فتحتُ الباب و تزحزحتُ عنهُ للوراء فدخلت امرأتان محجبتان إحداهما تبدو صغيرةَ العُمر بملامحها و الأخرى هيَّ الكبرى
إذًا هذهِ ابنتُك و الأخرى زوجتك
ألقت المرأة الكُبرى تحيةَ الإسلام فكان لها الردُ بأحسنِ منه
ابتسمتُ مرحبةً بهن بكلِ توترٍ واضطراب و كأن " مزنة " الاجتماعية ضاعت باحثة عن سرابِك يا أخي : يا هلا والله , اخلعن هالعبي و عطوني إياها .
الصغرى بادرت بخلعِ العباءة إلا أن الكُبرى استوقفتها بصوتٍ جهوريٍ حاد : ما تخلعيش حاجة يا مي .
طغت حُمرة الخجل ملامح الفتاةِ المراهقة فلا يليُق أمرها بهذا الشكل أمام الغرباء و الغريبة أختُ والدها !
هداكَ اللهُ يا أخي أينَ هيَّ صلةُ الأرحام !
تسآءلت والدتها : هوا فينو هزاع أخوكى ؟
أجبتُ بمصداقية مغلفة باللوعةِ و الاشتياق : والله علمي علمك مدري وينه فيه .
جاء صوتُ الفتاة مزدحمًا بالذعر : هوا عايش ؟
أومأتُ برأسي و ابتسامةٌ واسعة بشفتي تخطُ معالم السعادةِ الغامرة
أشرقَ وجهها و زفرت أنفاسها براحة و نطقت معبرة عما يجولُ بخلجاتها : الحُمدلله .. أنا كنت هموت من الخوف .
أكفهرت ملامحُ والدتها , إلتقطت يدَ المراهقة تسحبها لخارجِ المنزل : مش موجود و كدا أنا سويت إلي عليا و هنرجع لمصر تانى , عندك امتحانات و مش وئت الهبل ده .
حاولت الفتاة التخلص من قبضةِ والدتها , و برجاء : ماما سبيني يدي بتوجعني أوي .
أخلت سبيلَ الفتاة التي استدارت إليَّ بكاملِ جسدها و أخرجت ورقةً مطوية من حقيبتها و مدتها إليَّ : ده رئمي وئت ما تشوفى بابا يبقى كلمينى .
أخذتُ الورقة من يدها و لكني بذاتِ الوقت قبضتُ على معصمها بيدي عقدت حاجبيها بإستغراب و قبل أن تستوعب ما فعلت
غمرتُ رأسها بصدري و احتضنتُها بشدة هيَّ ما بقيت بالوطن الصغير
قد تكونُ هبةً منكَّ يا هزاع بعد سنينِ الوصبِ و النصب
و لأن الظفر لا يُفارق اللحم , و الدمُ ليسَ بماء فهوَّ يحنُ و يشتاق
دفنت رأسها بصدري أكثر فأكثر شاهقةً باكية
و بكيتُ معها سعادةً بها !

حيزبون الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن