10

137 6 0
                                    

دخلتُ إلى الجناح , وضعتُ مفاتيحي على الطاولة وأخذتُ انظر لها وهي نائمة بعباءتها على الكنبة
جلستُ بجانبها و هززتُها من كتفها : عُزوفي عمري قومي نامي على السرير
تحركت بإنزعاج ومن ثم فتحت أحد عينيها و بتساؤل : الساع كم ؟
إبتسمتُ لها وانا أدير شعرها حول أصابعي : الساعة 12 .
توسعت عيناها وبتعجب : كــــم ؟
و أنا أشد الكلمة : اثنــــــــاعشر
جلست من بعد إستلقاء : من الساعة تسعة وانا نايمة , جيعانة ما تعشيت بروح اطلب من الخدم يطلعلولي اكل , تبغى معايا ؟
حركتُ يدي بالنفي : لا الحمدلله تعشيت بالمستشفى و بعدين ما قد شفت احد يصحى من النوم جيعان
مشت بإتجاه اللاسيلكي و قالت بلامبالاة : عاد كل شي معاي يصير " ثم طلبت من الخادمة إحضار الطعام "
مددتُ يدي إلى حقيبتها ولكنها سحبتها بسرعة , و خبأتها بصدرها
رفعتُ حاجبي بإستغرابٍ و استنكار لتصرفها : خير اشبك تسحبيها ؟
شدت الحقيبة لصدرها وبحنق : اخاف تشق كتابي
إبتسمتُ رغمًا عني , بكل يوم أتأكد أني على زيجةٍ من طفلة ليس إلا
و يحق لها ان تكون طفلة بهذا العمر , ليس نقصًا بعقلها
و لكن شيءٌ متوقع فهي فقدت امها و اباها بالعاشرة من عمرها
و لم يكن هنالك من يصحح أفعالها و يرشدها
أبي عبدالقوي ينشغل عنا بعمله فما بالكم بهن و هن لسن بناته غير انه لا يطيق البنات مهما حاول ان يكون حنونًا
اما أمي ساجدة كانت تحاول بشتى الطرق ان توفق ما بيننا و لكن هي مهما فعلت ليست بمثابة الأم
حركت يدها اليمنى بتعجب بينما الأخرى متمسكة بالحقيبة : خير ليش متبسم ؟
قمتُ من مكاني و جلستُ بجانبها بينما هي إلتصقت بحافة الكنبة
أدخلتُ يدي ما بين صدرها و الحقيبة و أنا أحاول سحبها , و هي متشبثة بها بكل قوتها
شددتُ الحقيبة بجلافة حتى اصبحت بيدي
أخذت هي تفرك عنقها و اعلى صدرها و تتحلطم بضيق من تصرفاتي
في حين اني فتحتُ حقيبتها واخرجتُ كتابها و أنا أقلب صفحاته
و أنظر إلى خطها المنسق بعكس كتابي عندما كنتُ أدرس
إستغربتُ هدوءها الذي دام فترةً طويلة
و رفعتُ رأسي إليها , بينما هي واجهتني بإندفاع : ناجي ايام زواجنا كنت اشوفك تكتب بكتابك " طفولتي سُلبت " ليش ؟
في هذه اللحظة عادت لذاكرتي صور طفولتي المنتهكة
ناجي الطفل الذي كان يعلم بما لا يجب ان يعلم
ناجي الطفل الذي كان يبكي وحده في العتمة و لا هنالك من يُضمد جراحه
ناجي الطفل الذي كتم بقلبه و خنق بأنفاسه ذكرى رجل ضخم داكن اللون
ناجي الشاب الذي كان يشعر بالنقص أمام اصدقائه
ناجي الشاب الذي كانت بحياته كل مقومات السعادة ولكنه لم يشعر بالسعادة
ناجي الذي تمنى لو أنه لم يُولد
ناجي الذي تمنى لو أنه فتاة يقرن ببيته بلا خروج
و بلا شعور مني قضمتُ أظافري بشراسة
و حركتُ جسدي للأمام والخلف ونظري مصوب للحائط دون أي شيءٍ آخر .

*

*

كان مجرد سؤال حُفر بذاكرتي منذ أمدٍ بعيد
و اليوم إستذكرته لأسأله
لكن ردة فعله كانت تحمل من الغرابة الكم الهائل
إرتعد جسدي حال رؤيتي لأسنانه التي تصك ببعضها
جسدٌ لا تُعرف ماهيته بلغ منتصف السبيل قد يكون وحشًا او كائنًا فضائيًا
و طفلٌ يرتعد رهبةً من خيالاته الوهمية
و إنتفضت أنا لمظهره الشنيع
و قلبي تدافقت خفقاته
و كل عرقٍ بجسدي إنكمش من خوفه
فضاقت مجاري الدم
و سرت زرقة بجسدي من أعلاه لأسفله إفتقارًا للدماء .
وضعتُ يدي بخلفية رأسه , حتى دُس رأسه بصدري
مسحتُ على شعره الأسود و أنا أقرأ عليه من كتاب الله
آيات الذكر و التحصين
اليوم يا ناجي أصابني وسواس قهري
يوسوس بي و يوقن بأن وراءك ماضي ما
تخفيه عن الجميع بقلبك
فهذه الكلمتان " طفولتي سُلبت "
بالماضي جعلتك عاصفةُ غضب
و بالحاضر جعلتك إنتفاضةُ خوف
و حتمًا لها دخلٌ بالمستقبل
إما أن تعترف بحقيقتها
أو أنا أكتشف الحقيقةً وحدي
ليس فضولاً إنما إهتمامًا بك
يا من أهملتني بلا إهتمام
جعلتني بالحياة هامشًا
تقول حبيبتي و تعامني كمعشوقتك
و لا تأخذُ حقوقك كأي رجل
لستُ أختًا لك
و لا زوجة
إذًا من تكوني يا " أنا " !

حيزبون الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن