**((1))**

38K 1.2K 217
                                    

الهدوء يخيم على القاعة جوٌ من الترقب من قبل الجمهور مع بدء موسيقى بحيرة البجع العذبة التي تسللت في جنح الظلام لتطرب مسامعهم إنتظاراً لتبدأ تلك الشابة برقصتها ،من الزاوية المعتمة للمسرح كانت متكورة على نفسها و ساكنةً بهدوءٍ تامٍ حتى أسقط الضوء عليها، قامت بهدوء من على الأرض ورفعت يديها في الهواء و بدأت بالدوران ببطئ ،ثنت قدمها بمهارة ،وشيئاً فشيئاً تعالى صوت الموسيقى وأسرعت بحركتها وبدأت برقص الباليه،الفستان الأبيض كان يتحرك مع جسدها بانسيابيةٍ تامة على خشبة المسرح متحدين وكأنهما روح واحدة .

في كل مرة ترقص فيها تنساب من الواقع لتسبح بعالمٍ آخر تختلقه بمخيلتها ،تنسلخ من واقعها الأليم الذي تعيشه لتنسى زمانها ومكانها ، وتتمرد روحها لتحلق مع طيور السماء وتتمايل مع تلك الأنغام العذبة بدقة وإحساسٍ فائقين .

فجأة غزا مخيلتها وواقعها بآن واحد، دائرةٌ ثانية من الضوء اخترقت ذلك الجسد الساكن في الركن المقابل.اقتحم عالم أحلامها وواقعها ليحولها لكابوسٍ مرعب، تعثرت قليلاً ولكنها حاولت جاهدةً العودة لضبط إيقاع جسدها مع المعزوفة قبل أن تتنبه اللجنة لذلك الخطأ .تمايلت قليلاً ثم جمدت كتمثال مطرقة رأسها أرضاً لحين أدائه لرقصته المجنونة..

اجتاح الأجواء موسيقى شيطانية صاخبة اختلطت بموسيقى بحيرة البجع .... وبدأ ذلك الشاب بالرقص مع الإيقاع بإتقانٍ كبير ، جوٌ غريب ومزيجٌ متقن بين الهدوء والغضب، الحب والكره، الحياة والموت

.تماماً كضربات قلبها الآن لمجرد رؤيته وتواجدها معه بنفس المكان، إحساسٌ تستشعره ككل مرة يتواجدان فيها معاً.

تقدم نحوها .... فتسارعت أنفاسها وهي تلعنه بسرها وتتحاشى نظراته الوقحة التي يختلسها لها بين رقصاته ، صدرها راح يعلو ويهبط بتوترٍ شديد

ابتسم بمكر وهو يتقدم ناحيتها ويحاوطها بذراعه، شدها إليه بقوة فرفعت رأسها تجاهه وهمست بحنق:

-لإن أرقص مع الشيطان نفسه أهون عليّ من مكوثي الآن بين يديك القذرتين .

نظر بعمقٍ داخل عينيها الزرقاوتين كلون البحر الثائر وأمسك كفها الأبيض الرقيق ثم قرب وجهه منها هامساً:

-لا مشكلة عندي إن أحببتِ يمكنني أن أكون شيطانكِ الخاص"

رفعها عالياً بخفة وعادت موسيقاها الهادئة من جديد، أنزلها بهدوء على الأرض وبدأت بالدوران ولكن معه هذه المرة.

تناسته وأغمضت عيناها ذات الأهداب الطويلة وغاصت مجدداً بعالم أحلامها الوردي الذي تهرب فيه من الواقع ....من أهلها ونفسها وماضيها واندمجت بكل رقةٍ في حركاتها الهادئة ليعاود انتشالها من جديد وبقوة اختطفها ورفعها عالياً كلعبة بيديه ودار بها على خشبة المسرح .

وفي المنتصف تماماً أقبلت دائرة ضوءٍ جديدة لفتاة جديدة ترتدي الأسود كحاله،ألقاها أرضاً بوحشية واتجه للأخرى... وكأنه تخلص من شيء لا قيمة له .

الرقصة الأخيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن