**((4))**

12K 723 48
                                    

ومرت ثلاثة أيام وهاهي الآن على متن الطائرة المتجهة إلى باريس، جلست على مقعدها تحاول إخفاء توترها ....فها هي المرة الأولى التي تصعد بها على متن طائرة بعد الحادث المروع الذي تعرضت له مع أسرتها ...شدت بقبضتها على مسندي الكرسي بخوف بعد أن طلبت المضيفة أن يضعوا حزام الأمان لأن الطائرة على وشك الإقلاع.

-دعيني أساعدك" همس لها رواد برقة

فأجابته بتوتر واضح:لا أحتاج مساعدتك .

وحاولت أن تضعه ولكن لشدة خوفها وارتباكها لم تستطع بقت تقلبه بيديها حتى زفر ضيقاً من عنادها وانحنى ليثبته وهي تشيح بنظرها إلى النافذة حتى انتهى وهمس مجدداً بخفوت :..لم ينقص منك شيء لاقترابي .

تجاهلته وما إن بدأت الطائرة بالارتفاع حتى أغمضت عيناها وانكمشت على نفسها بخوف وهي تردد بسرها...

نجني يا الله ،لن يحصل شيء ..لن تسقط الطائرة

استوت الطائرة بالسماء لكن قلبها مازال مضطرباً وكان رواد طول الوقت ينظر لتعبيرات وجهها الجميلة الخائفة وعرف فيما تفكر الآن أمسك يدها علها تستجمع بعضاً من قواها وكم كانت بهذا الوقت بحاجة لما تتمسك به ليزيل عنها هذا الرعب الذي دبّ بأوصالها ،فاعتصرت قبضته بيدها بدون إرادة منها فاتسعت ابتسامته حتى انتظمت أنفاسها أخيراً وفتحت عيناها بغتة على صوته الهادئ بجانبها:

-افتحي عيناكِ الآن يا حورية البحر المتوحشة .

نظرت له ببلاهة وقد عادت بها ذاكرتها لزمن طويل جداً ....عندما كانت والدتها تلقبها بهذا اللقب...شعورٌ محير انتابها وهي تنظر لعينيه العسليتين الصافيتين بعمق ...ثم قال بنبرة لطيفة أكثر:
-لا تنظري لي هكذا"
وأكمل باسماً:
- ولكن المضحك بالأمر أني أول مرة بحياتي أرى حوريةً تحلق في السماء.
لا تدري لما عادت ضربات قلبها المجنونة الآن تعلن تمردها كما السابق ولا تعلم لما انتابها قلقٌ مفاجئٌ من المستقبل أراد أن ينطق ، انفرجت شفتاه ثم ضمهما مجدداً و.أدار وجهه متنفساً بعمق.
وعادت يارا لتشيح بنظرها عنه، وشردت بنافذة الطائرة ولكن الملفت أنها نست يده التي تقبض عليها بقوة لتشعر بالأمان.شعور متناقض أليس كذلك.
الشاب الذي تهرب منه لأنه يذكرها بعذاب الماضي وآلامه تتشبث به الآن وبقوة وكأنه المخلص الوحيد لما تعاني منه.دمعت عيناها عندما رأت على النافذة ذلك الحادث...ارتسمت ملامحه على الزجاج .. وفي ثنايا عقلها ،المحرك الذي تعطل في الجوّ .. المضيفة التي تردد بتوتر واضح :
-ضعوا حزام الأمان ...لا تخافوا ...كل شيء سيكون على ما يرام ..ابقوا هادئين .... حتى فقدت أعصابها و ألقت صرخۃً مدويۃ عندما بدأت الطائرة تتهاوى وسقطت المضيفة وأرتطم رأسها بحافة المقعد وصار ينزف
و أصيب الركاب بالهلع وصاروا يصرخون ... ثم شعورها بسقوط الطائرة وسط المحيط.
ما زالت تذكر كيف دفنت رأسها بأمها وتشبثت بها وهي ترى النهاية بعينيها ..نظرت بهلع من حولها و رأت دماء الركاب التي نفرت بسبب اصطدامهم بعشوائية . الدم الذي بدأ يسيل على زجاج النوافذ الصغيرة . أخاها داني وقد همدت حركته بسبب ضربةٍ قويةٍ تلقاها من حقيبة سقطت على رأسه...بجانبها ..رأت وجهه الذي تمزق و أغرق بالدماء وأخيراً المياه التي بدأت تخترق الطائرة بعنف لتغرقها والظلام الذي تلا تخبطها و اختناقها ولا تعلم كيف نجت بأعجوبة .

الرقصة الأخيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن