٥٧_ خطط عكس التيّار

7.3K 666 119
                                    


تساقطت قطرات مطر هادئة على بلور النافذة .. كان صوتها محببا الى أذني كمعزوفة جميلة لكن معزوفتي لم تدم طويلا حين استرعى انتباهي صوت مزعج جراء فتح الباب العتيق .

أدخلت عمتي رأسها أولا و عندما تفطنت إلى أني مستيقظة دخلت و أغلقت الباب خلفها .

لم أتحدث . تعلمت طيلة هذه السنوات أن أغلق فمي حين أكون مخطأة ، كما أن النظرات التي كانت تحدجني بها عمتي لم تكن لتساعدني على التشجع و تبرير موقفي .

جرت كرسيا كان الى جانب الطاولة حيث تزيّن أزهار زين المكان و وضعته إلى جانبي .

جلست مستقيمة الظهر ، و كأنها تستعد لأن يتم رسمها من قبل فنان بتلك الكعكة التي تجمع فيها شعرها الأسود .. عيناها الزرقاوان بلون باهت كانا ينظران لي بلا رحمة .

" هل أنت مدركة لما فعلتِ ؟" سألتني بنبرة حادة يشوبها تهديد بالعقاب الذي سأحصل عليه .

" أنا آسفة " قلت و نظرت الى أصابعي المرتجفة من البرد .

أعتقد أنها لاحظت ذلك أيضا لأنها انتزعت قفازيها و جعلتني أرتديهما سريعا .

" شكرا " تمتمت بهدوء و ازدرت ريقي منتظرة أن تصرخ ، أن تكسر أثاث الغرفة ، أن تقسم أنها ستعاقبني .. لكنها لم تفعل .

بقيت تنظر لي و كأنها نسخة من السيد ستايلز ! عاصفة خرساء أخرى ؟ أرجوك لا يا الاهي ! ان واحدة فقط تكفيني .

" ليليان " قالت متنهدة " لقد تعبت يا ابنتي ! حرام عليك ما تفعلينه بي !"

ترقرقت الدموع في عيناي بينما أراقبها تجلس منهكة على الكرسي و كأن أعباء الكون على كتفيها .

كيف لم ألحظ سابقا كل تلك التجاعيد التي ظهرت على وجهها ؟

" أنا أكبر في العمر ! لم يعد بمقدوري تتبعك في كل مرة من سجن لآخر ! " نظرت الى السقف و نفت برأسها " أيعقل أنني أخطأت تربيتك ؟ اوه يا الاهي ! كيف سأقابل أخي و زوجته و بأي وجه سأقول لهما أنني لم أحسن تربيتك !"

مع ذكرها لوالداي ، انهالت الدموع غزيرة من عيناي بحرارة الحرقة التي في قلبي " الذنب ليس ذنبك " أجبتها متألمة " انها أنا ! أنا لا أستطيع العيش هكذا ! انه أمر أقوى مما كنت أتخيل و كأنه يسري في عروقي ! هذه الحياة ، هذه العقول الصغيرة التافهة من حولي ! كلها تخنقني .. تمزقني .. تجعلني أرى الموت أجمل !!"

" لا تذكري الموت !" صاحت و أخذت تبكي بدورها " ألا يحق لي أن أراك عروسا ؟ أن أرى أبنائك ؟ أن أراك في أبهى حلة و أجمل منزل ككل الفتيات في عمرك ؟ لماذا تحرمينني من هذا و تركضين خلف ما لا يسمن و لا يغني من جوع !!"

" لأن أحلامك مختلفة عن أحلامي عمتي ! لأنك بينما تبحثين عن رجل يتزوجني أبحث أنا عن ماهية وجودي .. ألم تنظرِ حولك يوما ما و تسألي لم أنا موجودة ؟ هل خلقك الله لتجلسي في المنزل و لا تفعلي شيئا ؟ طبعا لا !! هناك سر لوجودنا هنا .. هناك عمل علينا القيام به "

العاصفة الخرساء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن