ذُروة مُبَكرة

5.5K 273 36
                                    

في تلك الليلة اختلطت أصوات هطول المطر الغزير مع سقوط القذائف، لن يمكنك التمييز؛ أكان ذلك الإنفجار دوياً للرعد أم قنبلة إنفجرت فوق رأس أحدهم.

فاضت الشوارع بالمياه... مياه حمراء تمازجت مع دماء الناس، التهمت النار ما تبقى من منازل صمدت أمام القذائف لتبدو تلك المدينة كزهرة حمراء قاتمة وسط الظلام فحتى القمر آثر الإختفاء بين الغيوم.

وداخل ذلك الإحمرار مبنى واحد ظل صامداً، كان مسرحاً تابعاً لما بدا بين النيران أنها كانت مدرسة ثانوية، لم تصل النيران إليه ولم تمسه أي قذيفه أو شرارة كأنه في بُعد مغاير عما يحدث الآن، وكل ما يسقط ناحيته من حطام يرتطم بالفراغ ليسقط بعيداً عن مكانه.

ورغم كون ذلك المبنى في أمان عما يحدث خارجاً إلا أن من في داخله كانوا مرتعبين، تواجد ما يريد عن مئة شخص داخل المسرح. تعالت أصوات بكاءهم وصراخهم مع كل إنفجار يحدث خارج المسرح خشيه أن يكون دورهم التالي، الجميع إما خائف على نفسه أو يبكي على من فقده من أهله.

لا أحد يدري ما الذي حصل ولماذا يحدث كل هذا لهم. من مات مات دون أن يعرف لماذا قُتل ولماذا تم قصف مدينتهم المسالمة فجأة ومن دون سابق إنذار.

ووسط كل ذلك لم يفت عليهم ملاحظة تواجد ذلك الشاب.

تمركز في منتصف تلك القاعة، يقف شامخاً مغمضاً عينيه كأن ما يحصل خارجاً ليس من شأنه، والغريب في أمره أنه كان يرفع يديه على جانبيه كأنه يحمي  شيئاً ما.

كسى نفسه بالسواد، معطف طويل وبنطال بنفس اللون، فقط تلك الدائرة باللون الأبيض على ظهره كانت تحمل لوناً مختلفاً، شعره كان أسوداً أيضاً، تصبب عرقاً ظن الجميع أن ذلك بسبب الحرارة المرتفعة الناتجة عن تلك النيران حول المكان لكنه لم يتصبب عرقاً إلا من هول المهمة الملقاه على عاتقه... حماية كل من في هذا المكان.

لا أحد يدري كم مكثوا في تلك القاعة، المهم أنه كان وقتاً كافياً حتى ينتهي ذلك الهجوم المباغت وحتى تنطفئ تلك النيران وحتى يتوقف المطر.

هدأت الأصوات من حولهم ولم يبقى إلا  أصوات فزعهم ونحيب من يبكون، من بقي في كامل قواه كان يتسأل... لماذا لم نمت؟

ولا شك أن الإجابة كانت في يد ذلك الشاب، لقد فعل شيئاً كان السبب في بقائهم على قيد الحياة حتى هذه اللحظة!

وفي لحظة صمت فتح ذلك الشاب عينيه أخيراً وأنزل كلتا يديه، بدا وكأنه كان يحمل جبلاً على كتفيه فلقد إنهار فور ذلك جاثياً على ركبتيه، أنفاسه متلاحقه والعرق يتصبب بغزارة منه.

مسح عرق جبينه بكم يده ثم زفر نفساً عميقاً، قال بصوت خافت: هذا جيد.

كل من كان قريباً منه كان يشعر بالإستغراب، أخذوا يرمقونه بنظرات غريبة متسائلة، لم تهمه تلك النظرات، عاد واقفاً وتلفت من حوله.

The Special One.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن