1- ريمِيدي بلاَ كنية

5.8K 393 411
                                    

لعلّ البداية تتربّع منتصفَ الكتاب وما أنا أفّاك ، لربّما تستهلّ آخر الصّفحات الحكايةَ ولازلتُ في بعدٍ عن الاختلاق .

بصفحةٍ مجهولة الرّقم ، هجعَت خصلات ورديّة بعدما تغمّست بالقهوَة ... في دار نشرٍ تقمّص مؤسسهَا دور متسوّل بأحد مؤلّفاتِه ، أدنَى جناح سماء إيتوبيكوُك بكندا .

حكاية فتاةٍ بلا كنية طالبت سطرًا فتتجذّر الذاكرةَ ، رجلٍ رزين وكاتب أتاه الويحُ في غفوتِه.

-

"إلَى متى ؟ إلى مَتى ستستمرّ عقارب السّاعة بالتحرك ! فلينزعها أحد ما من أعلى الجدار قبل أن أفعل ذلك بنفسي ، وما خطب هذه الشّقراء التي تمضغ علكتها بجانِبي ، لما عليها أن تصدر هذه الأصوات ... "

جال التضايقُ فكرها وما جاسرت الإفصاحَ عنه لوهنهَا فاكتفت بتبصّر الفراغ ، قد ثوى حنقٌ خلقتها منذ حين.

انصرمت ساعات الانتظَار متمهّلة حتى أوشك الهبلُ مسّها ، ارتقت ببصيرتها للساعة الجدارية مرّة رابعة كانت أم خامسةً تحصِي مدّة مكوثها بصالة الانتظار للإقبال على طلب الوظيفة.

مزّق شبكة سرحانهَا وقع أقدام السّكرتيرة ، نالت من النّمش قليلاً رغم سواد شعرهَا وسمرة بشرتها.

" آنسة ريم .. ريميد ؟ " بُتر حسّ السكرتيرة مَايسون حين لاقت استصعابًا بلفظ اسمهَا.

" ريميدي ! هذه أنا "

ارتحلت الأعين وحطّت على ذات الشعر الورديّ الفاتح ، قد أعلت قامتهَا وجعلت تهدّل خصلاتها القصيرة يمنةً يسرة في تباهٍ كما رجّح البعض .

لكنّها في قرارة نفسهَا انتحبت وأنّبت فطنتها لوهلةٍ كادت تودع بها اتّزانها وينهمرُ الطنز* حينًا يحتوي اسمها حُكما بالسّوء.

" تفضلي معي آنسة " حبكت حاجبيهَا لتصرّفها المغلق ، وأولتها ظهرها لفورها تخطو صوب مكتب المدير .

همهمت ريميدي ، تطبقُ جفنيها فتحتجبُ كحليّتيهَا ، استلت نفسًا وأعتقتهُ ثمّ أبصرت وراحت تقتفي أثرهَا وعلى طينتهَا خُلقت بشاشةٌ لطّخها الخُبث.

انكبّ رأسها في إعياءٍ بالكاد سحبتهُ حيز معمعةٍ انتهزت فرص ربحهَا ، وطالعت حذاءيهَا مقفرة البال ، ثمّ بعثت يديها بقعة نظرهَا وجعلت تلاعبُ بنان أصابعها النّحيلة مزرقة المفاصل .

ولجت مكتبَه بهيئتها الساكنة ، ألفت لمحهُ يمتطي نسيم الصّباح ومرّات تفاقمَت رأتهُ منخرطا بنوبة تدخينٍ مساءً وقت جولتها. لكنّها قطعا لم تتصوّره بركنِ عمله يكتسي بدلةً رسمية بلّلها أزرقُ البحر.

ريميدي : مدينة البومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن