24_مبروك.

2.2K 145 51
                                    

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً
______________________________


سرعان ما ذهب غضب هبة وحل الصمت بالغرفة. صمت ثقيل غير مريح. نهض هارون من مكانه وهو لا يصدق ما قد قام به، كانت تلك أول مرة يفتح فيها الرجل قلبه. أول مرة يتحدث فيها عن هذا الجانب منه علنا. بحياته بأكملها لم يتوقع هارون أن يعترف بشيئ كهذا لأي أحد.

أسقط الرجل قناعه وإستسلم لرغبة جامحة لمشاركتها جزءا منه..

لم تستطع هبة الحديث، لم تخرج صوتا، ظلت تنظر للرجل الواقف أمام النافذة بعين متفاجئة ومتألمة. كان جسده متشنجا كمن يعاني من ألم خفي يأكله من داخله، يضع يده اليسرى في جيبه ويقرص أعلى أنفه بسبابته وإبهامه وكأن صداعا كبيرا قد حل براسه.

- لم يكن يرحمها. استمر الرجل باعترافاته لكن هاته المرة، بصوت خافت. "مهما صرخت، مهما بكت. لم يكن يتوقف." ثم تغيرت عبارته لشيئ آخر، أكثر قسوة أكثر غضبا. "لم يكن يرحمني أنا أيضا." أعلن كما لو أنه إعتراف قد حرم على نفسه قوله لأي كان، وكأن دستورا بأكمله كان يمنعه عن الحديث علنا. "كان يتمنى لنا الموت."

- هارون... باشرت هبة بصوت ضعيف وهي تستقيم في جلوسها.

تغيرت ملامح الرجل فجأة لشيئ تراه أول مرة.

ضعف كبير وندم أكبر.

- كان يضربها ويأذيها... ولم أكن أستطيع القيام بشيء. لم أكن أستطيع مساعدتها حتى !

فرغت رئتا هبة من الأكسيجين فجأة.

أكانت مساعدته لها طريقته الخاصة للتقفير عن ذنب يأكله منذ صغره؟ أكل هذا لأنه يتذكر أمه؟ أهذا ما تعنيه هبة له؟ أهذا هو المغزى من كل هاته القصة؟

لم تتحدث. لم تسأل ولن تسأل...

كان هارون يشاركها جزءا مؤلما من قصته. وكانت ستسمعه. ستسمع كل كلمة يقولها وحرف، كل تنهد وكل حزن، كل ثانية صمت أيضا.

- وعندما كبرتُ. عندما أصبحت قويا كفاية لمواجهته وإخراجها من هناك. لم ترد تركه ! كانت عيناه الخضراوتان بلون البحر في يوم غائم، غامقة ومليئة بالأسرار. هائجة بالأعماق. هادئة بالسطح. "بالرغم من كل شيء لم ترد الذهاب ! أسوء، لقد دافعت عنه... هي قد دافعت عنه يا هبة ! أنقذته من بين يدي مرات عدة." قال وهو ينظر إلى يديه عاجزا. "لماذا؟" همس قبل أن ينفجر فجأة ومن دون سابق إنذار. بدا كما لو انه لم يعد يستطيع التوقف الآن وقد فتح علبة أوجاعه. "لماذا لم ترد الذهاب ؟" ضرب الطاولة البيضاء الصغيرة بعنف مرسلا إياها للجهة الأخرى من الغرفة. لم تخف هبة. ظلت تنظر اليه وحسب."لماذا عانت؟ لماذا قبلت تلك الحياة ؟! كنت سأعطيها حياتا أفضل ! " صرخ في ضياع وهو يشير إلى نفسه. "كنت حميتها !" استمر بحرقة إبن موجوع على أمه. "لكنت حميتها يا هبة !"

طريق الانتقام  ( الجزء الأول )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن