بعد ثلاثة أيام:
مرت هاته الأيام بحياة هارون كما لو أنها ثلاثمئة عام، مرت بمشقة وتعب لم يحسه قط أبدا...
لا أثر لهما.
لا خبر عنهما.
لا شيئ...
هذا ما يمتلكه الرجل اليوم بقضيته.
ولهذا أصبح هارون اليوم أسوء مما كان عليه بحياته بأكملها، أصبح رجلا لا يطاق، وصلت به عصبيته وقسوته حد جعل كل من يقابله يغيّر طريقه ولا يرمي إليه أية نظرة.
من كان ليظن أن نهاية طريقه ستكون هكذا؟ من كان ليظن أنه سيجد نفسه بوضعية كهاته؟ أين تلك الوعود التي قد وعدها لنفسه؟ المحرمات التي خلقها لنفسه؟ القوانين التي أصدرها بحق نفسه؟
تبخرت !
كلها تبخرت... لأن شيئا إسمه القدر تدخل، لأن شيئا إسمه سوء الحظ رافقه.
تنهد الرجل وهو يتكئ على الكرسي، ينظر بشرود إلى فنجان قهوته البارد ولتلك الجريدة التي لم يفتحها بعد.
لن يفتح جريدة كيفما كانت طالما أنه لم يجدها، لا لأنها مليئة بصورها التي تغرقه أكثر وأكثر في وحل آثامه ولا لأنها تحمل بين طياتها معلومات لم يعرفها قبل هذا وتشله بمكانه... بل لأنها وفي منتصفها، تحمل لعبة مليئة بخانات فارغة تنتظر أن تُملأ.
لأنها وبمنتصفها تحمل ذكرى من ذكرياتها..
صحيح أن هارون أعمار لم يكن رجلا محبا للكلمات المتقاطعة حتى أبعد من هذا، هو كان رجلا يعتبرها مضيعة للوقت. لكنه، وفي تلك اللحظة المعينة التي قد شاركها فيها معارف بدت لها عادية لكنها في الحقيقة كانت إعترافات شخصية عميقة -بتلك اللحظة بالضبط - تحولت الكلمات المتقاطعة من مضيعة للوقت إلى لعبة ثمينة لا يلعبها إلا إن كان سعيدا ومرتاحا.
كلحظة فوز يشاركها إياها من دون علمها.
كنخب كلمات يرفعه أمامها ثم يشربه عندما تنسدل تلك الأحرف على الورقة كما لو أنها شراب ثمين يملأ ذاكرته لا بطنه.
رفع الرجل نظره إلى النافذة مراقبا الأفق الخالي كخلو حياته بهاته اللحظة... لماذا؟ حبا بالله لماذا من بين كل النساء التي قد التقى بها هارون في حياته، ومن بين كل تلك الشخصيات المختلفة والجديرة بالإهتمام التي قد أقام معها علاقات عابرة... لم لم تبقى إحداهن به كما بقيت هاته المرأة؟
لماذا لم يتأثر؟
لم لم يتعلق؟
لماذا كان ولابد له أن يقع بإبنة عمه وقوعا يكسر غروره ويفرشه أرضا؟
اللعنة لماذا؟!
أتشابه مآسيهما هو الذي قد علّقهما ببعضهما ؟ أم صلة دمهما هي التي كانت رباطا أقوى من أن يفسخ؟ أم تراه بحر عينيها الذي كان أعمق مما تخيل فأغرقه؟
أنت تقرأ
طريق الانتقام ( الجزء الأول )
Romance] ملاحظة : السرد قديم يحتاج تعديلا [ وسيم، غني، غامض و فوق كل هذا. بارد. بارد لدرجة تجعله يجمد قلب اي كائن... هارون كان له هدف واحد بهاته الحياة التعيسة، تدمير الشخص الذي دمر له حياته بأبشع الطرق. خطته كانت مثالية و محكمة. خطط الرجل لكل شيئ و توقع...