اللّهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع
_______________________________وصل هارون إلى المكان المرجو بعد ساعة من القيادة، مارا بالشوارع المزدحمة للمدينة العريقة، بالشاطئ الهائج للرباط وبالنوارس التي تطير فوقه وكأنها تراقصه من بعيد من دون أن تقترب منه، من دون أن تنظر إليه حتى.
بدت له الرباط ضبابية في مروره. بدت له غير طبيعية. بدت له خالية رغم إزدحامها.
تغيرت هاته المدينة مجددا. إلى متى ستستمر هاته المدينة بالتغير في عينيه؟ أم تراها مرآة لما بداخله؟ لعلها رباط للمدينة التي تسكنه؟ تلك الأفكار الضبابية التي تدور بذهنه؟
كانت هبة شاردة الذهن طول الطريق، لم تستعد وعيها إلى أن أحست بمحرك السيارة يتوقف.
نظرت إلى الرجل الجالس بجانبها.
كان ينظر إلى المكان المتواجد أمامه وكأنه يزوره لأول مرة أو لكأنه يزوره للمرة الألف، وكأن له قصة طويلة وخاصة معه. في نظرته للمكان سر من أسراره، تدري هبة هذا.
- أين نحن؟ سألته المرأة بصوت خافت.
- تعالي. قال فقط وهو يخرج من السيارة ثم يبتعد عنها. خرجت هبة بدورها منها تستكشف المكان بفضول. كان هناك مطعم صغير أبيض وبسيط أعلى الدرج وكأنه تتمة لصورة أزلية. لم يسبق لهبة أن أتت إلى هنا، حتى أنها لم تكن تعرف بوجود مكان كهذا قبل الآن.
توقف هارون لينظر خلفه حيث كانت هبة لا تزال واقفة بجانب السيارة.
- هل ستبقين هناك ؟
حركت رأسها ثم تقدمت نحوه بخطى بطيئة. لم يكن المشي بهذا الموقع سهلا مع الحذاء الذي ترتديه، لكنها ستحاول.
كان هذا المكان أحب الأمكنة لهارون، رغم بساطته وبعده وقدمه.
سيدل هذا المكان أحب الأماكن إلى قلبه.
كان صاحبه رحمه الله يترك هارون ينام هنا عندما كان زوج أمه يطرده من المنزل، يهديه سقفا حين لا يعود له سقف ليحميه من سماء الليل، كان يطعمه أيضا ويؤنسه أيضا.
كان هارون حينها كمتشرد من دون مأوى، يحوم بكل مكان باحثا عن أمان ما من دون جدوى، وقتها عرف هارون معنى أن لا يكون لدى الإنسان أب، أن لا يكون له سند، أحس وقتها بمدى ضعفه وهشاشته، انعدام قيمته أيضا. ود كثيرا لو انه يضرب كل شيئ عرض الحائط ويهرب لوحده لمكان لا يجده فيه أحد.
لكن أمه كانت هنا. وهو يموت ولا يترك والدته لوحدها خلفه.
لم يعش هارون.
ما مضى من عمره لم تكن حياتا بل ذلا، قمعا وظلما. لم يكن قلبه الصغير يعرف شيئا عن الحياة آن ذاك، لم يكن يستوعب ما هو الفقدان، ما هو اليتم، ما هو الشر.
أنت تقرأ
طريق الانتقام ( الجزء الأول )
Romance] ملاحظة : السرد قديم يحتاج تعديلا [ وسيم، غني، غامض و فوق كل هذا. بارد. بارد لدرجة تجعله يجمد قلب اي كائن... هارون كان له هدف واحد بهاته الحياة التعيسة، تدمير الشخص الذي دمر له حياته بأبشع الطرق. خطته كانت مثالية و محكمة. خطط الرجل لكل شيئ و توقع...