السادس عشر
نظرت إليه براءة بضيق له ثلاث أو أربع دقائق ينظر إليها ببلاهة منذ فتحت له الباب . قالت بنزق " يا سيد هل ستتحدث و تقول فيما جئت أم أغلق الباب "
نفض أنيس رأسه و وقف معتدلاً و تنحنح قائلاً " أنتِ براءة "
كتفت ذراعيها ببرود قائلة " نعم أنا براءة "
أجابها أنيس بخفوت " أما أنا فلا أريد غير براءة اختراعك تخصني وحدي "
سألته بغضب " يا سيد أرفع صوتك لأسمع ما تريد قوله . من تريد هنا "
قال أنيس بجدية مصطنعة " فاطمة . أريد فاطمة أذهبي و أجلبيها من الداخل قولي لها مديرك ينتظر في الخارج "
بعد أن كانت متكتفة تخصرت براءة و ردت ببرود " و من أخبرك أنها هنا . "
تطاول أنيس لينظر خلفها داخل المنزل قائلاً " لأين ستذهب إذن غير عندك "
قالت براءة بحنق " لأماكن كثيرة . خاصةً أنها جاءت هنا من قبل و قد وجدها ذلك الرجل لا أظن أنها ستأتي مرة أخرى هنا "
سألها بشك " هل أنتِ متأكدة أنها ليست هنا "
قالت براءة بسخرية " تريد أن تأتي و تبحث أسفل فراشي "
رد أنيس بمكر " أو على فراشك ربما تكون جالسة و أنتِ لم تنبهي "
" ها ها ها . ما هذه الخفة "
تنحنح أنيس و عاد لجديته " حسنا آنستي الأمر جاد بالفعل إذا لم نجد فاطمة ستحدث كارثة "
أمسكت بالباب و قالت ببرود و هى تغلقه " كارثة على رأسك أنت لا رأسي أنا وداعاً "
وضع راحته على الباب يوقف انغلاقه قائلاً بمكر " قولي إلى اللقاء عزيزتي "
ردت بنزق " عزك ثعبان هل تعرفني يا رجل لتتحدث معي هكذا "
قال أنيس بمكر " لم لا نتعرف إذن "
كورت براءة قبضتها و رفعتها في وجهه قائلة بصرامة " تريد أن نتعرف تعال لأعرفك من أكون "
رد أنيس بسخرية " البراءة بعينها لقد تعرفت بالفعل .. حسنا إذا لم تكن فاطمة هنا سأرحل و أبلغ الوغد يبحث في مكان آخر . هل تريدين شيء قبل رحيلي "
قالت براءة ساخرة " نعم في أول بئر ألقى نفسك لتريحنا من ظرفك و خفة ظلك "
رمقها أنيس بحزن مصطنع " كرهتني من أول لقاء غريب هذه المرة الأولى التي تحدث معي "
ردت بسخرية " و ليست الأخيرة ."
أغلقت الباب في وجه ليستدير أنيس راحلا و هو يقول بسخرية
" من شابه صديقته "استند على الباب يراقبها بهدوء و ملامحها المحتقنه من بكاءها تجعل خافقه يضرب صدره بقوة . يريد أن يخفف عنها و لكنه لا يريد أن تظن بشكل خاطئ أنه يستميلها . قالت أمرة
" أفتح الباب بيبرس و أذهب من هنا أرجوك أنا سأعود للمنزل اليوم على أن أتحمل نتيجة أفعالي "
كتف ذراعيه و أستراح أكثر على الباب .." يا للعقل الهابط على رأسك فجأة . نتيجة أفعالك .. منذ متى هاربتي "
ردت فاطمة بغضب " منذ الآن "
قال بلامبالاة " حسنا أنا ليس لي مزاج أن أعيدك اليوم "
ردت بعنف " لا أريد منك أن تعيدني فقط أرحل "
سألها بسخرية " هل هاتفت حبيبك ليأتي إليك "
رغم غضبها و رغبتها في ضربه و لكنها قالت ببرود " لقد أتى بالفعل و أرح نفسك مازال على رفضه الزواج بي "
رفع حاجبه بمكر يراقبها بثوبها تبدوا كالملاك .. " مسكينة . مؤكد أفعالك هى من جعلته يرفض الزواج بك . "
كتفت ذراعيها بقوة فدنا خطوة و قال بهمس " فاطمة هلا بدلت ثوب زفافك أنه يفعل بي أشياء غريبة لا أعرف ما هى .. أو أعرف و لكن لا أستطيع أن أقولها لك . أخشى أن أفعل شيء متهور فتغضب العجوز الحامية "
توترت ملامح وجهها فقالت بهدوء مصطنع " بيبرس تاج الدين أيوب لم لا تذهب من هنا سئمت وجودك في حياتي "
تقدم ليدخل لغرفة الجلوس و هى خلفه تصرخ بحنق " لأين ذاهب أيها البغيض "
تمدد بيبرس على الأريكة قائلاً " أنا أستريح فقدمي تعبت و أنتِ ليس لديك حس ضيافة لتطلبي مني الجلوس "
رفعت فاطمة راحتها تعضها غيظا و هى تقول بصبر " أخبرني بما أفعله ليخلصني منك "
نزع حذاءه و رفع قدمه لوضع مريح أكثر " أعدي لنا بعض الطعام فلي فترة طويلة لم أتناوله و أشعر بالجوع الأن "
سألته بحدة " هل تظن أني سأطعمك "
ضحك بيبرس بخفة " هذا الحديث أجريناه من قبل و الأن لنفعل شيء جديد لنأكل ما ستعدينه هاربتي و لكن ليس قبل أن تبدلي ثوبك فعقلي اللعين يسبح في غيمة حالمة مما يجعلني أشعر بعدم الراحة . "
لن تصرخ و لن تجيب و لن تغضب فقط ستتجاهل وجوده و تذهب لغرفتها هنا و تبدل ثوبها كما قال و تغفوا حتى الصباح ثم تعود للمنزل وحدها . و هو ينتظر الطعام إلى مالا نهاية .. تحركت لغرفتها ممسكة بطرف ثوبها حتى لا تسقط فقال من خلفها " لو تزوجنا لحملتك لغرفتنا بدلا من سيرك المتعثر بثوبك هذا .. لم يكن مراد سيفعل ذلك على ايه حال لذلك جلب لك الحذاء المريح هذا "
التفتت تنظر إليه بصرامة فأضاف ببرود " و لكننا لم نتزوج "
سبت بغضب و هى ترحل " تبا لك "
قال بيبرس بسخرية " أسرعي بتبديله فأنا جائع "
" تبا لك .. تبا لك .. تبا لك . " كانت ترددها و هى تبدل ثوبها بمنامة قطنية بأكمام طويلة و صف أزرار للعنق بعد أن ألقت بالثوب جانباً و توجهت للفراش لتندس به و هى تشد الشرشف على رأسها و تغمض عيناها بقوة ... لا تعرف إن كانت غفت لوقت طويل أو مازال الوقت ليلاً .. دفعت الشرشف بقوة و هبت من الفراش تفتح النافذة لتجد أن الوقت ليلاً بالفعل . شعرت بالجوع الشديد فقررت الهبوط بصمت ربما وجدت شيء في الثلاجة تأكله لا تتذكر متى كانت هنا آخر مرة بعد هروبها من سيف . سارت لغرفة الجلوس بخفة و مدت رأسها لتره إن كان مازال هنا أو رحل .لتجده مازال مددا على الأريكة غافيا و إحدى قدميه على الأرض واضعاً وجنته على راحته
زفرت بضيق و عادت لتتوجه للمطبخ و بحثت في الثلاجة لتجد علب طعام و دجاجة مجمدة و سمك معلب و جبن و بيض و حليب لا تتذكر متى أحضرت هذا ربما جلبهم أحد من أخوتها . و لكن ممن أخوتها يأتي لهنا . أخرجت علبة لحم معلب و فتحتها و قطعتها لمكعبات صغيرة قبل أن تحضر مقلاة و تضع فيها بعض الزبدة و تضع اللحم و تقلبه قبل أن تضع عليه البيض . كانت الرائحة شهية حتى أنها لم تنتظر لتنهى إعداد البطاطس التي وجدتها جاهزة مقشرة و مقطعة لأصابع و هى تأخذ ملعقة مملؤة و تضعها في فمها . أحضرت الخبز و وضعته في الفرن ليسخن عندما سمعت صوته من على الباب يقول بعتاب " كنت ستأكلين وحدك هاربتي "
لم تلتفت إليه و ظلت تعد باقي الطعام دخل بيبرس ليقف خلفها
" تريدين مساعدة و تسمحي لي بتناول الطعام معك "
التفتت إليه و هى تستند على الثلاجة بعد أن أخرجت بعض الجبن " لا داعي كنت سأحضر لك البعض "
قال بيبرس بنفي " أريد تناوله معك لا وحدي "
لم تجيب فهي بالفعل كانت ستخبره ليأتي " و أنا لا أريد . هل هو غصباً "
قال بيبرس بهدوء " بل بالرضى هاربتي فما أنت به نتيجة الغصب "
قالت بنزق " لم يغصبني أحد على مراد "
سألها بسخرية "لم وافقت عليه إذن طالما ستتركينه و تهربين "
صمتت بضيق فقال بيبرس بصرامة " لتحرقي قلبي أليس كذلك .. أقصد لتحرقي قلب حبيبك و أنت ترتبطين بآخر و ها هو تركك و لم يقبل بك "
عادت لتبكي قهراً و غضبا فكل ما يقوله عنها ظلم بين .. هل ظلم حقاً أليس في حديثه شيء من الصدق لقد قبلت مراد لتحرقي قلبه بالفعل صرخت به " ليس من شأنك أي شيء أفعله في حياتي أيها البغيض"
رد بيبرس بعنف " نعم ليس من شأني فاطمة فأنت أوضحت بكل الطرق أنه ليس من شأني و أنا قبلت . ألم أقبل " أضافها بسخرية و هو يخرج قائلاً " شكراً لك لا أريد تناول الطعام الذي لم تعرضيه علي . صباحاً سنعود للمنزل فمراد يريد رؤيتك و الحديث معك فهو لن يتزوج من شقيقتك إذا لم تعودي "
كان ينوى ابقاءها لحين يستسلم مراد و يرحل أو يتزوج دهب و لكنه وجد الأن أنه لا داعي لذلك هى لم تقبل به و لن تفعل . فلم يتمسك بها و يحاول أفساد حياة عائلتها بحجزها هنا و يصعب عليهم حل مشكلتهم مع الرجل . أنيس معه حق ليخرجها من رأسه فقط .