السابع عشر
كانت جالسة في غرفتها على الفراش تبكي بصمت بعد رحيل مراد فهى لم تقبل بما طلبه منها لقاء مسامحتها على فعلتها و نسيان الأمر . بل قال أنه سيخبر والدها في الغد أنه مازال يريد الزواج بها . معطيا إياها فرصة للتفكير لذلك الوقت . دلفت فخرية لغرفتها تطرق بعصاها الأرض عندما رأتها فاطمة هبت من فراشها لتمسك بيدها و تجلسها على الفراش قائلة " جدتي . كنت سأتي إليك الأن في غرفتك "
جلست فخرية تنظر إليها بحزن سأله " ماذا هناك حبيبتي لم تبكين الأن ألم تنهي الأمر مع مراد . أنتِ لم تخبريني ما الذي حدث بينكم "
قالت فاطمة ببكاء و هى تستند على صدرها تلتمس منها الدعم و الاطمئنان " لا جدتي . لم ينتهى الأمر على ما يرام . بل تعقد أكثر من ذي قبل "
سألتها فخرية بقلق " لم يا حبيبتي . ما الذي حدث "
قالت فاطمة بحزن " يريد أن يتزوج دهب و طلب مني أن أقنعها بالموافقة . و هى ترفض ذلك لقد أخبرتني عند عودتي و قبل مجيئه أنها لن تأخذ مكاني هذه المرة و أنها لن تتزوج بهذه الطريقة و إذا كانت ستتزوج لن تتزوج رجلاً لا تحبه فقط إرضاء والدي أو لحل مشكلة كما فعلت سندس و استبرق "
قالت فخرية باهتمام " معها حق في هذا يا حبيبتي . فاستبرق و سندس فعلا ذلك لحبهم للمتفجر و اللطيف أما دهب فلا تفعل و تحب الثقيل و من يحب ثقيل الظل هذا "
ضحكت فاطمة رغم دموعها قائلة " جدتي لا تقولي هذا صدقيني مراد إنسان جيد و طيب القلب و كثيرات يتمنينه و لكن ماذا أفعل في قلبي لم أستطع أن أحبه كما يستحق "
سألت فخرية بجدية " و ما المشكلة الأن أنا لم أفهم إذا كان يريد دهب و هى لا توافق ما ذنبك أنتِ الأن ألم تخبريه أنك لا تستطيعين الزواج به و انتهيتم "
قالت فاطمة و عادت للبكاء مرة أخرى " لا جدتي لم ننتهي . لقد أخبرني أنه سيخبر أبي غداً أنه مازال يريد الزواج بي إذا لم توافق دهب على الزواج به فهو قد أعد حياته للاستقرار و لن يعود و يبحث عن عروس ثانياً "
تمتمت فخرية بحنق " الأحمق المبتز "
قالت فاطمة بحزن " هو معه حق سيكون مظهره سيء و والدي أيضاً إذا لم أتزوج هذه المرة ستكون فضيحتنا كبيرة خاصةً و لا بديل أمامنا لينقذ ماء وجه أبي و سمعته "
قالت فخرية بنزق " أنا أعترف لقد حولتِ حياة ابني لبائسة أيتها الهاربة الحمقاء بسبب أفعالك "
شهقت فاطمة باكية " لذلك جدتي لا تقلقي سأتزوجه فليس أمامي حل أخر "
لم تعد فخرية تتحمل الصمت أكثر فهى للأن لم تخبرها على أي شيء مما يدور بينها و بيبرس و هى ظلت صامتة لأنها لم تخبرها صراحة بعلاقتهم و ما نوعها و لكن الآن مصيرها سيتحدد بهذه الزيجة و هى تعلم أنها لن ترفض هذه المرة و لكن الحمقاء لا تنظر لأبعد من الوقت الحاضر تريد تخليص والدها من الفضيحة التي سببتها متناسية أن حياتها ستبنى على هذا القرار .. فهل لو كانت تحب بيبرس تستطيع أن تتزوج مراد . تعلم أن المشكلة هذه المرة صعبة و لكن يجب أن تكون على علم بكل النتائج التي ستترتب على قرارها هذا
" و بيبرس فاطمة . ماذا عنه . أنتِ لم تخبريني الأن عن حقيقة مشاعرك نحوه "
نظرت فاطمة لجدتها ببؤس قبل أن تنفجر باكية و هى تقول بأسى " اللعنة جدتي لم ذكرتني به هل تريدين أن تحرقي قلبي " ابتسمت بمكر أحرق قلبها إذن الأمر يخص القلب بالفعل ..
ضمتها فخرية بحنان قائلة " يا حبيبتي . أليس من حقي أن أضع أمامك كل النقاط الغائبة عن عقلك حتى تتخذي القرار الصحيح و لا تندمي في النهاية . أنتِ للأن لم تخبريني عن علاقتكم و ما هى نوعها كل ما تظلين تذكرينه أنك تكرهينه . و هذا ما جعلني أشعر أن هناك أكثر من الكراهية بينكم "
قالت فاطمة ببؤس " أنا مازالت أكرهه جدتي . بل الأن أكثر من ذي قبل "
سألت فخرية بمكر " إذن لا تحبينه .. حسنا ليس هناك سبب لعدم زواجك من مراد طالما لا تحبين أحد أو تحبين بيبرس فلا مانع طالما قلبك خالي إلا ما يسكنه مراد ثقيل الظل مع الوقت و العشرة الطيبة "
قالت فاطمة بيأس " هل تخبريني أني لن أستطيع أن أتزوج مراد إذا كنت أحب أحد أخر "
ردت فخرية بتأكيد " بالطبع . هل يفعل ذلك أحد عاقل . يحب رجل و يتزوج آخر . هذا الجحيم بعينه "
عادت فاطمة للبكاء مرة أخرى و هى تتمتم " يا ويلك يا فاطمة ليتك ما ولدتي يا فاطمة . لم حياتي أنا بائسة دون عن الجميع . لم يحصل معي كل هذه المصائب لم يا جدتي " تتسأل بعذاب
قالت فخرية بحنان " أخبريني حبيبتي . أنا جدتك و سرك و أمانك بعد الله و والدك ماذا هنا في هذا القلب تخفينه عن الجميع و تتحملين هذا العبء الكبير وحدك . لم لا تفضفضي معي بما في قلبك لعلي أريحك "
قالت فاطمة بيأس " لا أحد يستطيع مساعدتي يا جدتي لا حديثي سيساعد و لا صمتي فماذا أفعل "
قالت فخرية مستنكرة " من قال أن الحديث لا يساعد جربي فقط و سترين "
شهقت فاطمة بحزن و هى تمسح دموعها قائلة باعتراف بائس و لجهة بها بعض الغضب و الحقد من سبب عذابها الفترة الماضية ..
" أجل يا جدتي . أجل . أنا أحب ذلك الوغد الحقير بيبرس . أنا أحبه و هو يظن بي الظنون . أحبه و هو أخبرني أنه لا يمانع أن يتزوجني و أنا أحب رجل أخر . هل تصدقين . يخبرني أن أتزوجه و لا يمانع حبي لأخر . و أنا كالحمقاء أقع في حب رجل سيء مثله لا يثق بي و لا يحترم نفسه بالابتعاد عني و يقبل على كرامته الزواج بي و هو يظن بي كل هذه الأمور السيئة . هل أنا طبيعية لفعلي ذلك . لم أخبرك لأني أخجل من قول هذا . أن الزواج به سيكون أسوء من زواجي بمراد و أنا أحبه "
قالت فخرية بهدوء " و لكنك ستفعلين مثله يا حبيبتي . أنتِ ستتزوجين مراد و أنتِ تحبين بيبرس فلم تتعجبين من حديثه أنه موافق للزواج بك و أنتِ تحبين أحدا أخر و لكن الفرق أنك لا تحبين أحد في الحقيقة بالنسبة له لا يهم إن كان ظنه خاطئ و لكن أنتِ فسوف تفعلين هذا حقيقة مع مراد فهل سترضين لنفسك هذا .. ثم أنا لا أظن أنك فهمتِ حديث الوغد جيداً ربما كان يقصد شيء أخر غير ما فهمته أنتِ"
كتفت فاطمة ذراعيها اعتراض على حديث جدتها و دموعها مازالت تتساقط زامة شفتيها بغيظ فهى واثقة من فهمها الصحيح ألم يقولها لها صراحة أريدك أن تعطيه كل حبك .. هل كانت نائمة وقتها حتى لا تعي مقصده . ابتسمت فخرية بخبث " هل مازالتِ تريدين الزواج من مراد و أنتِ تحبين بيبرس "
رفعت رأسها تنظر لجدتها ببؤس " هو لن يتزوجني حتى لو تركت مراد . و أنا لا أستطيع تشويه سمعة أبي أكثر من ذلك . إذا كانت دهب ترفض الزواج به ليس أمامي حل أخر غير إتمام هذه الزيجة . ربما ظللت معه فترة و طلبت الطلاق أنا لا أعرف إذا كنت سأتحمل العيش معه و أنا أحب رجلاً أخر"
قالت فخرية بحنق " اصمتي يا حمقاء . طلاق ماذا الذي تتحدثين عنه قبل إتمام زواجك . "
عادت فاطمة تبكي بحرقة قائلة " كيف اتصرف إذن أنا لا أستطيع الزواج بمراد للأبد لن أتحمل هذا صدقيني لو كان هناك أمل لأحبه لفعلت وقت الخطبة و هو لن يتركني بحالي يا أنا يا دهب كما قال إذا لم توافق دهب فلن يتركني هذا شرطه "
قالت فخرية بتعجب " و لم يصر على دهب . لم لا يطلب فضة مثلاً . لم دهب "
ردت فاطمة بحنق " لا أعرف جدتي و الذي أنا واثقة منه أنه لا يحبها كالمتفجر عندما طلبني "
صمتت فخرية مفكرة قبل أن تقول " هناك سر مؤكد خاصةً أن الرفض من دهب غير متوقع الأن بعد حديثها يوم الزفاف . ظننت أنها معجبة به خفية و لم تقل .. هناك سر مؤكد "
قالت فاطمة بضيق " سيدة الأسرار أنا لست في مجال للبحث عنها هنا الأن لا وقت لأفعل فهو سيأتي غداً و يتحدث مع أبي فماذا أفعل حينها " عادت للبكاء مرة أخرى فضمتها جدتها بحنان وقالت..
" حسنا فقط أهدئي و مؤكد سيكون هناك حل لذلك . هل قال سيخبر والدك غداً برغبته في أكمال زواجكم حقاً "
أومأت فاطمة بحزن كم مرة ستؤكد على ذلك فقالت فخرية بمكر " ربما يحدث ما يجعله يغير رأيه و يرحل "
ردت فاطمة ببؤس " أنه قدري الأسود أعرفه "
تحركت أقدام تلك المتنصتة دون أن تنتبها لها مبتعدة عن الباب و هى تتوعد داخلها لذلك الثقيل ..
******★*******
"بيبرس إلى أين ذاهب الطعام لم ينتهي بعد " قالتها ميار لشقيقها الذي نهض فجأة ليجيب اتصال جعله يسرع في المغادرة .. التفتت لزوجها قائلة بحزن " لم أعد أفهمه . و لا أعرف ما الذي يحدث معه . "
قال زوجها مازحاً " شقيقك جن فقط مثل مجنون ليلى هو أصبح مجنون فاطمة "
ضحكت رغم حزنها و أجابت " تلك الفتاة الغبية لا أعرف ما الذي يدور في عقلها و لا أعرف كيف ترفض أخي "
رمقها عز الدين باستنكار " لما لا ترفضه يا عزيزتي هل هو الظاهر بيبرس العظيم . "
ردت بغرور " بل هو أفضل منه على الأقل يده ليست ملطخة بدماء محمود ابن ممدود بعد أن قتله غدرا "
ضحك عز الدين بمرح " يا إلهي هل سنقلبها حصة تاريخ من أجل السيد بيبرس تاج الدين أيوب "
ردت بغرور " و من قال أن أخي لن يذكره التاريخ يوماً ما "
سألها بسخرية " يذكره التاريخ في ماذا إن شاء الله "
قالت ميار بمرح " الرجل الوحيد الذي سيتزوج فاطمة في النهاية و غداً سأذكرك "
و لم يستطع عز الدين جوابها من شدة الضحك الذي شاركته هى إياه ...
****★★**