(البقيه فى حياتك ياسعات البيه ربنا يجعلها آخر الاحزان )
نطق حارس مدافن العائله عم عبد الله تلك الجمله اثناء قيام العمال بتغطيه الجثمان بينما المقرىء يقوم بتلاوه بعضا من آيات كتاب الله الحكيم على مسمع منهما ويقوم بالدعاء للمتوفيه ..
وقف الحارس بجوار احمد يحاول مواساته والذى كان يبدو على ملامحه الحزن والارهاق الشديد بوجه شاحب وذقن طويله غير مشذبه وهالات سوداء تغطى اسفل عينيه بمساحات كبيره ..
احمد بعد صمت طويل : حياتك الباقيه ياعم عبد الله
حارس المدفن : لا مؤاخذه فى السؤال يابيه هى المرحومه تبع عيلتكوا
احمد بجمود : قريبتنا من بعيد ياعم عبد الله
عم عبد الله محاولا معرفه المزيد : امال الهانم الكبيره فين مجتش مع حضرتك ليه
احمد بحده : متدخلش فى اللى ميخصكش مش عاوز حد يعرف بأن حد اتدفن فى مدافن العيله ولاحد يعرف ان المدفن اتفتح من اساسه .. الحكايه باختصار واحده قريبتنا ملهاش مكان تتدفن فيه ففتحنالها المدفن وملهاش قرايب غيرنا ..
معاك تصريح الدفن يبقى بقك ميتفتحش لا للهانم الكبيره ولا الصغيره سامعنى .
عم عبد الله : اوامرك يابيه انا كنت بستفهم بس
اخرج احمد من جيبه بعض الورقات الماليه وقام باعطائها للحارس قائلا وهو يهم بالمغادره : حاسب الرجاله وخلى الباقى عشانك متنساش تقفل الحوش كويس ..
ارتدى احمد نظارته وتوجه الى سيارته غير مبالى بكلمات عم عبد الله التى توارت وهو يقول : طب يابيه حنحط اسم المرحومه على الشاهد ولاايه .. يابيه يابيه
انطلق احمد بسيارته دون ان يعير كلمات الحارس اهتماما ..لازال يتذكر هدير محرك سيارته وهو يبتعد عن المقابر بعد ان قام بدفنها ..
توالت ذكريات ذلك اليوم المشؤوم عليه الآن والذى مر عليه قرابه الشهر اثناء جلوسه قبال زوجته منتظرا استيقاظها من ذلك الصقيع الذى اصابها .. فهو طوال يومين لم يذق فيهما طعم الراحه او النوم يؤنبه ضميره على مافعله بها وهاهى الآن ترقد امامه فى فراشها بلا حول لها ولا قوه ..
ارجع رأسه الى الخلف محاولا تخفيف حمل رأسه والتخلص من افكاره تلك حتى يستطيع النوم قليلا ..فى ذلك الوقت استيقظت هى من نومتها الطويله لتجده بجوارها مستلقيا على المقعد المجاور لها بارهاق واضح على وجهه وملابس غير مهندمه ..
لم تفهم مايحدث فهى لازالت فى غرفتها لكن ماذلك الالم المسيطر على جسدها .. فهى تشعر كأن جسدها كله قد دهسه قطار .. ألم فى جميع عضلاتها ورأسها تشعر بصداع شديد يكتنفه .. وجهها يتصبب عرقا تشعر بارتفاع حراره جسدها كيف لا وهى مغطاه بكل تلك الاغطيه .. حاولت ازاحتهم لكن جسدها الواهن فشل فى تحريك حتى يديها من ذلك الثقل الجاثم فوقها ..
تشعر برغبتها الشديده فى شرب الماء فحلقها جاف .. لم تجد مفرا من لفظ اسمه عله يستيقظ ويساعدها ..
خرج اسمه بخفوت من بين شفتيها .. فأعادت تكراره بصوت واهن حتى تململ فى مقعده والتفت اليها ليجدها استيقظت ..
تحرك من مقعده يفرك عينيه وهو يقترب منها لايصدق انها قد استيقظت بالفعل ..
احمد : حمد الله على السلامه
نور : الله يسلمك ممكن ميه
احمد :حاضر ..
جلب لها قليلا من المياه فى كوب وساعدها على رفع رأسها لتستطيع تناول المياه ..
نور بعد ان انتهت : شكرا ..
اراح رأسها ببطىء على وسادتها فأضافت بتساؤل : هو ايه اللى حصل جسمى كله واجعنى
احمد محاولا تجنب نظراتها : بقالك يومين نايمه
نور باستغراب : انا معقول ازاى
احمد : دور برد جامد
نور : برد ازاى يعنى وبرد ينيمنى يومين ليه
احمد بتردد : لانك نمتى والبلكونه مفتوحه وكانت هدومك خفيفه ومش متغطيه لمده ٣ ساعات واكتر
نور محاوله التذكر : انا امتى .. انا مش فاكره غير ان آخر حاجه انت كنت ...
لم تكمل جملتها بل نظرت اليه بحزن بينما هو نكس رأسه اسفا عما بدر منه ..
تصاعدت الطرقات بالخارج فسمح احمد للطارق بالدخول فاذا بها هبه تحمل غرام ..
هبه وهى تقترب من نور : اخيرا يانور حمد الله على سلامتك قلقتينا عليكى
نور وهى تنظر الى ابنتها باشتياق : الله يسلمك ياهبه وحشتينى يارومى
غرام بخجل : ينفع اجى احضنك ياماما
نور : طبعا تعالى ياحبيبتى
هبه محذره : براحه ياغرام عشان ماما تعبانه ..
اتجهت غرام الى والدتها بحذر حتى استقرت فى احضانها بينما اكملت هبه : احمد بقاله يومين متحركش من جمبك
نظرت لها نور بعدم تصديق : احمد
هبه :اه احمد مرضاش يسيبك فى المستشفى وصمم يرجعك البيت وفضل ملازمك لدرجه انه مراحش الشغل ولا رد على تليفونات
نور : مستشفى ! هو ايه اللى حصل بالظبط
هبه : ابدا ياستى دور صقيع زى ماالدكتور بيقول .. اطرافك كانت متجمده ومتصلبه وراسك مولعه وجسمك كله متشنج وكان لازم متابعه ليكى مع ادويه ومضادات حقن وليله كبيره كده ..
نور : انا اول مره يحصلى كده
هبه : كلنا استغربنا بس الظاهر مناعتك قلت بعد الحادثه
احمد : طب مش كفايه رغى بقى وسيبيها ترتاح
هبه وهى تلف ذراعيها على مقدمه صدرها : ماشى حبطل رغى انت بقى مش حتيجى تشوف شغلك وكفايه كده
احمد بنظره ذات معنى : ماشى مش وقته الكلام ده
هبه : طيب اصلى بس مستغربه منين كنت تبقى مش عاوز تروح من الشغل ومنين مش هامك الشغل بقالك يومين
نظر لها احمد نظره طويله قبل ان تقول : طيب طيب خلاص حطلع
نور : لا خليكى ياهبه انا مش تعبانه ولا حاجه
احمد : لا سيبيها تروح تشوف ماما يمكن محتاجاها
هبه : انا فعلا حروح اقول لماما ان نور فاقت واجيبها واجى تانى
خرجت هبه مغلقه الباب ورائها فوجهت نور سؤالها الى احمد : هو انا كنت فى غيبوبه !
احمد : مش لدرجه غيبوبه انما ارهاق يعنى وسخونيه فعلى جسمك مااستعاد نشاطه حمد الله على سلامتك
نور وهى تداعب شعر ابنتها : الله يسلمك .. وحشتك يارومى اليومين دول
غرام : اوى يا ماما انا كنت بدخل كل يوم اشوفك بس تيتا وعمتو ميرضوش يخلونى اقعد كتير وكنت بسرحلك شعرك كده يا ماما..
قالت غرام جملتها تلك وهى تمسد شعر والدتها كما تفعل نور لها فاجابتها نور بابتسامه : اه مانا حسيت باديكى الحلوة دى وهى على شعرى
غرام بتساؤل : يعنى انتى كنتى بتحسى بيا ياماما وشايفانى امال مكنتيش بتردى عليا ليه
نور : لا ياحبيبتى كنت تعبانه مش قادره اتكلم بس دلوقتى بقيت كويسه وحتكلم معاكى وارد عليكى ونلعب زى ماانتى عاوزه ..
غرام بفرحه : يعنى حتسيبينى اسرحلك شعرك ياماما
نور وهى تحتضنها بقوه : اه ياروح ماما اعملى اللى انتى عاوزاه
استمع احمد الى حوارهم وهو يتصنع الانشغال بهاتفه .. ابتسم لكلماتهم الطفوليه البريئه لقد اشتاق الى احاديثه مع ابنته وكم تمنى ان ياخذها بين احضانه الآن ليُعيد أحاديثه معها والتى لم يمل منها قط .. لكن ابنته بدأت هى الاخرى بالابتعاد عنه مثلما يفعل فلم تعُد تُقبله عند رؤيته مثل السابق ولا تنتظره حتى يروى لها قصصا قبل نومها .. بل هو من يتعمد ان لا يتواجد فى المنزل اثناء استيقاظها فهو لايريد التعلق بها اكثر ..
أنت تقرأ
مالكة الفؤاد (نور على باب الفؤاد ٢)
Romance## "ماحيلة الفؤاد .. ان كان حزنه قدرا !! فقد شاء القدر ان يؤلمنى بكِ .. فقط قولى لى ..بماذا شعرت بعدما حاربت الدنيا كلها من اجلك واتخذتكِ سندا لى .. فخذلتنى !!! كنتِ فى ماضيى نورا تاه منى وانتهى !! افيامالكه الفؤاد اغفرى لى !! " ## "حزينه كنت ووحيده...