الفصل السادس عشر

4K 182 93
                                    

عائله صغيره مكونه من اب وام وابن وابنه .. لم يتجاوز الابن الثامنه من عمره عندما غادر مدرسته واصدقائه وبيته وكل عالمه الصغير ليسافر بصحبه والدته واخته الصغيره التى لم تتجاوز الثلاث سنوات ليلحقا بوالده فى احدى الدول العربيه ..
عمل اباه محاسبا فى شركه كبرى فى احدى دول الخليج المنتعشه اقتصاديا ذلك الوقت .. سرعان ماتحسن دخله بعد عده شهور واستقر فى منزل خاص به فطلب من زوجته الحضور مع الاولاد لبدأ حياتهم معا جميعا كأسره واحده ..
لم يشأ ابراهيم ان يعانى هو او اسرته من فراق الغربه وعذابها فقرر جمع شمل اسرته حتى يكبر اولاده تحت رعايته وزوجته فى كنفه ..
مرت السنون دون ان يشعر بها ابراهيم او اسرته .. فدوامة العمل اخذت كل وقته وانشغلت زوجته بمعيشتها الجديده ونسى كلا منهما الاهل والاقارب فى مصر لايربطهم بهم صله الا وقت الاجازات السنويه ..
اما عمر الابن الاكبر لإبراهيم نجح فى تكوين صداقات جديده و تميز فى دراسته الى ان انهى الثانويه العامه بمجموع كبير اهله لان يلتحق بكليه الهندسه .. بالطبع فى مصر .. فهاهو الآن رفع رأس ابيه وحقق له مراده ويستطيع ابراهيم التباهى بابنه المهندس ..
لكن حان وقت الفراق ليفترق عمر عن اسرته عائدا الى مصر بعد ان تم قبوله فى كليه الهندسه جامعه القاهره ..
حزنت الاسره الصغيره على افتراق رجلها الصغير عنها لكنه الآن سيقوم ببناء مستقبله فلاخوف عليه .. لكن اين سيمكث !! ايمكث وحده !
لا لا الوحده تُفسد الشباب .. اذا سيمكث مع جدته لابيه فى احدى الاحياء الشعبيه .. ومن لهم الآن غيرها بعد ان انقطعت صلاتهم بجميع اقاربهم ومعارفهم الا والدى الاب والام والذين لم يتبق منهما سوى الحاجه فتحيه والده ابراهيم ..
حزنت زوجه ابراهيم قليلا على فراق ابنها ولكن تبقى لها الآن ابنتها .. مالكه .. هى الآن بنت الثالثه عشر جميله بوجه مستدير وثغر باسم .. لها نظره عينان تجعل من يراها يتعلق بها على الفور ..
مالكه حبيبه امها .. كما كان يقول ابراهيم لزوجته التى وجدت فى ابنتها الصديقه والاخت والام والحبيبه .. وجدت فيها من يؤنس وحشتها فى تلك الغربه وقضت معظم وقتها تُعِد مالكه لان تكون فتاه راقيه مثل الاميرات فى معاملتهن وادبهن واهتمامهمن بانفسهن ..
نهرها ابراهيم فى بعض الأوقات على ذلك فهو يريدها قويه تستطيع التعامل مع البشر ليس ان تكون خجله معظم الوقت ورقيقه كورقه الشجر ..
لكن صممت زوجه ابراهيم على طريقه تربيتها لمالكه معلله له : عندك ابنك عمر اهو اعمل فيه مابدالك ده راجل انما هى بنت لازم تطلع رقيقه كده
ابراهيم : ياستى الرقه متنفعش فى العالم اللى احنا فيه ده لازم تتعلم ازاى تتصرف لوحدها احنا مش دايمنلها
زوجه ابراهيم : بعد الشر يااخويا وحتى لو احنا مش موجودين اخوها عمر ربنا يحميه موجود
ابراهيم : على كيفيك ياام عمر .. ربنا هو الحارس قادر يحرسها ويحرسه
مرت خمس سنوات اخرى سريعا ليحتفل آل إبراهيم بحصول عمر على بكالريوس الهندسه وحصول مالكه على شهاده الثانويه العامه بمجموع كبير مثل اخيها .. يالفرحته إبراهيم سيصبح ابا لمهندس ومهندسه .. لكن مالكه تحب الغناء .. تحب العزف ..
شجعتها والدتها ووافق اباها على مضض بالتحاقها بالمعهد العالى للموسيقى ..
هى الآن ستذهب للعيش مع اخيها عمر والذى قرر ان يُكمل مسيرته المهنيه فى مصر وانه سيبدأ عمله فى احدى الشركات ..
توفت الحاجه فتحيه والده ابراهيم فى السنه الاولى من دراسه مالكه .. الآن لم يبق لهم أحد سترجع زوجه ابراهيم الى مصر كى ترافق ابنتها فعمر منشغل طوال الوقت بعمله ولا يجب ان تجلس فتاه بعمرها وحدها ..
_جه وقت الفراق ياابراهيم ..
_ مقدر ومكتوب ياام عمر .. مفارقتكيش من ساعه مااتجوزنا من ٢٥ سنه الا الكام شهر اللى سبقتكوا فيهم هنا ..
_ بكفياك غربه .. حتحصلنا قريب عشان يتلم شملنا من تانى !
_ ربك العالم .. خدى بالك من العيال ..
مضى شهرين وبالفعل اكتفى ابراهيم من غربته لكنه لم ينضم الى اسرته بل انضم الى والدته التى سبقته الى الدار الآخره ..
ام عمر من يراها منذ سنه عند مجيئها الى مصر لايراها الآن .. هزلت صحتها ونحفت منذ وفاه زوجها .. قطنتها امراض الدنيا ورفضت مغادرتها لتصبح قعيده معظم الوقت لا تقدر على الحراك ..
تجلس هى وابنتها فى بيت الحاجه فتحيه اما عمر فيستأجر احدى الوحدات القريبه من عمله ..
تقطعت الصلات بينهم تدريجيا .. فهو يتعلل بمشاغله طوال الوقت .. اخذ ميراثه من والده كى يتزوج به اما ميراث مالكه ووالدتها فهو مااعان مالكه على علاج والدتها ودفع مصروفات دراستها والباقى بالكاد يكفى لمعيشتهما ..
قرر عمر الزواج .. دعاهم على خطبته من احدى زميلاته فى العمل .. تُدعى ساره .. لم تراها هى ووالدتها سوى مرتين او ثلاث بالتقريب ...
ساره فتاه جميله محجبه .. يبدو عليها حبها لعمر لكنه غير مقتنع بها .. اخاها وتعرفه جيدا رغم ابتعاده عنهما تلك السنوات الاخيره .. هو يصطنع السعاده لكنها تعرف انه لايحبها ..
اخيرا جاء اليوم المنتظر وانهت مالكه دراستها هى الآن تستطيع العمل بشهادتها وسيكون لها دخل شهرى يعينها هى ووالدتها على مطالب الحياه .. لكن .. اين ستعمل وماذا ستعمل !!
للاسف بعد شهور وشهور من البحث فشلت مالكه فى الحصول على وظيفه تناسب مهاراتها فكل من يراها يحاول استغلالها .. يدعوها للغناء فى ملهى ليلى او حفلات خاصه .. لم تجد من يقدر موهبتها ويضعها فى مكانها الصحيح ..
استيقظت مالكه يوما على صوت تأوهات والدتها .. افاقت لتجدها لاتقدر على التنفس وقد اشتد بها المرض .. حاولت الاستغاثه باحدى الجيران لكن امسكتها والدتها قبل ان تغادر مكانها ..
والده مالكه : عاوزه اشوف اخوكى
مالكه : حاضر حاضر ياماما ارتاحى انتى بس
والده مالكه : كلميه يامالكه خليه يجيلى .. قلبى مقبوض عليه
مالكه : حاضر ياماما حكلمه بس انتى حاولى تتنفسى بالراحه ..
مرت ثلاثه ايام فشلت مالكه فى الوصول الى اخاها فهاتفه مغلق حتى خطيبته ساره لاتجيبها .. هى لاتعرف محل عمله او المكان الذى يقطن فيه .. لا امل لها سوى ان تظل وراء ساره وتبعث لها بالرسائل حتى تجيبها ..
اجابتها اخيرا بعد الحاح شديد ..
مالكه بلهفه : ساره اخيرا رديتى معلش عارفه انى ضايقتك بمكالماتى بس مش عارفه اوصل لعمر
ساره بحزن : توصليله ازاى انتى متعرفيش اللى حصل
مالكه بخوف : حصل ايه عمر كويس
ساره باستهزاء : متقلقيش اخوكى كويس هو بس متهم فى قضيه قتل
مالكه : انتى بتقولى ايه عمر ازاى لا يمكن طب هو فين
ساره : عموما بكره معاد الجلسه الاخيره بتاعته تقدرى تروحى تشوفيه فى محكمه ....
اغلقت ساره هاتفها تاركه مالكه غير مستوعبه ماسمعته الآن ..
هى علمت الآن سبب انقباض قلب والدتها طوال تلك المده .. لكنها لن تخبرها بشىء ستذهب غدا لتفهم مايحدث .. استحاله ان يقتل اخاها ..
وقفت مالكه فى صباح اليوم التالى امام محكمه .... تنتظر موعد جلسه اخاها .. الى ان بدأت ورأته !
رأت اخيها رفيق صباها يقف وراء القضبان مُكبل بالاصفاد .. اخيها الوحيد !! الذى طالما افتخر به اباه بعد ان حقق امله فى ان يصبح مهندس !! هو الآن قاتل !
هى لاتصدق ماتراه ولامايقوله النائب العام .. لاتصدق ماتفوه به ذلك القاضى بالحكم على أخاها !!
حاولت التحدث مع اخيها هى تعرف انه برىء لكنه نظر اليها بندم مطأطأً رأسه الى الاسفل .. مامعنى ذلك !!
حاولت رؤيته عده مرات بعد ذلك لكنه رفض !! تواصلت مع محاميه لكنه اقر بأن اخيها اعترف .. هو حقا مذنب !!
اوصل لها المحامى رساله اخاها بان تنساه وتبتعد عن طريقه فهو لا يريد ان يوصمها بالعار طوال حياتها بسبب فعلته تلك ..
لكن هو الآن يقول لها ذلك !! بعد ان أصبحت وحيده !! بعد ان لحقت والدتها بوالدها عندما علمت بمصير ابنها !!

مالكة الفؤاد (نور على باب الفؤاد ٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن