الفصل الثالث والعشرون

3.7K 174 29
                                    


فلتت كرات الثلج من يد نجوى عند سماعها تلك الكلمات وهى تفتح باب الغرفه على مالكه دون سابق انذار ..
استمرت مالكه فى الحديث فهى لم تشعر بنجوى بسبب تلك السجاده عند مدخل الغرفه والتى منعت كرات الثلج المتساقطه من اصدار اى صوت ..
مالكه بنفاذ صبر : خلاص خلاص يااحمد اما ترجع نتكلم فى الموضوع ده حستناك على الغدا متتأخرش ..
اغلقت مالكه هاتفها وتوجهت الى الحمام كى تقوم بتغيير ملابسها قبل قدوم زوجها دون ان تنظر خلفها لترى تلك المحدقه بها بأعين متسعه لا تستوعب ماسمعته ..
أنسحبت نجوى الى غرفه غرام مره اخرى جلست بجوارها اعلى الفراش وشرعت فى تأمُلها وكأنها تراها للمره الاولى فى حياتها.. اخذت تدرس تفاصيل وجهها الصغير النائم وتتلمسه باصابعها بخفه ورقه غير مُصدقه انها من الممكن الا تُصبح حفيدتها ..
تذكرت يوم مولدها حين وُلِد معها ذلك الشعور بداخلها لاول مره .. شعور الحفيده والجده وتلك العلاقه التى نمت بينهما تدريجيا فتعلق كلا منهما بالآخر وأصبحت تلك الصغيره مؤنستها والتى عوضتها عن غياب ابنتها هبه وابتعادها عنها ...
امتلأت عيناها بالدموع وهى تحتضنها دون ان تشعر فهى لن تسمح لأحد بأن يسلب منها حفيدتها..

**************
فى تمام الثالثه مساءا كان احمد فى طريقه الى المنزل حيث سلك احدى الطرق المختصره للهروب من ازدحام المرور فى ذلك الوقت ..
بدا متوترا فهو لا يدرى بماذا يُجيب مالكه بخصوص تحليل النسب الخاص بغرام .. فقد وعدها بأن يفعلا ذلك سوياً خاصهً وانها هى من اقنعته بذلك حتى يتخلص من ذلك الشك الذى يراوده سواء بالنفى او بالايجاب ..
اقتنع بكلماتها لذا لم يستطع الانتظار وفضل الاسراع فى عمل التحاليل فهو يريد التخلص من ذلك الحمل فوق كاهله..
تُرى ماذا ستكون نتيجه التحاليل اهى ابنته فعلا ام ...
انقبض قلبه لمجرد تفكيره فى ذلك .. فتلك الانقباضه كثيرا ماروادته الايام الاخيره بل لم تفارقه منذ .. منذ ان قام بدفنها .. نور ...
ذلك اليوم المشؤوم عندما ذهب الى المشفى ليراها غارقه فى دمائها .. احس فور رؤيتها انها هى .. رغم تشوه ملامحها لكنه عرفها على الفور .. عرفها من ملابسها من شعيراتها بل من عينيها ..
عينيها التى اخبرته بمدى اسفها وحزنها قبل ان تلفظ انفاسها الاخيره .. هى لم تتحدث او تنطق بكلمه بل اكتفت بالنظر اليه نظره طويله قبل ان تعلو نظراتها الى نقطه ما وتتثبت عيناها فى محجريهما وهى تنظر الى الفراغ ..
اغلق عينيها بيده مُغمضاً عينيه هو الآخر بقوه وكأنما اراد الموت معها بينما قلبه يعتصر الما .. اراد البكاء اراد النحيب اراد الصراخ .. اراد اخذها فى احضانه ولو لآخر مره ..
اراد استرجاع نور قلبه التى كانت تُضىء له حياته عندما انغمس فى الظلام .. لكنها رحلت .. رحلت قبل موتها بكثير .. ماتت فى قلبه فور معرفته حقيقتها .. لذلك فتلك الجثه امامه ليست لنور .. ذلك هو فقط جسدها اما روحها فقد غادرت منذ امد ..
رغم عينيها المُغلقه لكنه احس بالحزن يُغلف وجهها وتلك الدمعه على وجنتيها قد سقطت من ضغط جفنيها على مقلتيها ..
اهى حزينه بعد موتها ! لكن هل هى حقاً عرفت معنى الحزن .. هل ذاقت مراره الفقدان .. هل ذاقت قسوه الفجع على موت شخص مرتان !!
هل عرفت معنى الغدر بعد الاطمئنان !! هل ذاقت عذاب الشك !!
ليتها ماتت قبل ان يعرِف هو حقيقتها .. لكان الآن يجلس حزيناً مفطور القلب على فراقها .. كان سيظل طوال عمره يتغنى بمراره فقدانها . . كان سيظل ليل نهار يحكى ويتحاكى عن كل شىء فيها لابنته ..
ابنته !! ابنته !! هل هى ابنته !!
اتسعت عيناه وسيطر الفزع على ملامحه عندما تذكر غرام .. الوحيده التى كانت ستجيبه على سؤاله قد رحلت .. هى قالت له انها ابنته من قبل لكن كيف ييستطيع تصديقها ..
فهو اصبح لا يعرف حقيقتها من تمثيلها .. كيف س ..
افاق من تفكيره على صوت الطبيب قائلا باسف : معجزه انها وصلت حيه .. البقاء لله
احمد : اعتقد هى ملهاش حد ممكن استلم الجثمان وحدفنه فى مقابر العيله
الطبيب : حضرتك تعرفها
احمد : يعنى قريبتنا من بعيد
قريبتنا من بعيد ......
كانت تلك نفس الجمله التى قالها احمد لعم عبد الله حارس المدفن الخاص بعائلتهم ..
هو لم يُخبر احدا بما حدث .. فقد قرر ان يُدفَن سرها معها وانه سيُكمل حياته مع اسرته بطريقه طبيعيه مع وجود اخرى تُشبهها .. فرغم كل شىء غرام عنده بالمقام الاول وهو لن يحتمل ضغط اخبارها بوفاه والدتها .. او يتحمل التعازى ونظرات الشفقه والحزن من وجوه منافقه كاذبه .. هو لن يأمن لاى شخص آخر مهما كان ..
قطع تفكيره عم عبد الله وهو يٌحاول معرفه المزيد : امال الهانم الكبيره فين مجتش مع حضرتك ليه
احمد بحده : متدخلش فى اللى ميخصكش مش عاوز حد يعرف بأن حد اتدفن فى مدافن العيله ولاحد يعرف ان المدفن اتفتح من اساسه .. الحكايه باختصار واحده قريبتنا ملهاش مكان تتدفن فيه ففتحنالها المدفن وملهاش قرايب غيرنا ..
معاك تصريح الدفن يبقى بقك ميتفتحش لا للهانم الكبيره ولا الصغيره سامعنى .
عم عبد الله : اوامرك يابيه انا كنت بستفهم بس
اخرج احمد من جيبه بعض الورقات الماليه وقام باعطائها للحارس قائلا وهو يهم بالمغادره : حاسب الرجاله وخلى الباقى عشانك متنساش تقفل الحوش كويس ..
ارتدى احمد نظارته وتوجه الى سيارته غير مبالى بكلمات عم عبد الله التى توارت وهو يقول : طب يابيه حنحط اسم المرحومه على الشاهد ولا ايه .. يابيه يابيه
انطلق احمد بسيارته دون ان يُعير كلمات الحارس اهتماما ..
مرت الايام وتعافت مالكه وقام بعمل تلك العمليات التجميليه لها حتى تُشبه زوجته .. هو لم يهتم بموافقتها او رفضها .. فقد رسخ فى عقله ان الاموال اصبحت هى المتحكمه وبامكانها ان تُسخر له اى شىء وبالطبع ستوافق بعد ان تأخذ مايكفيها للاقتناع ...
لم يعلم وقتها انها وافقت لانها تُحبه وتمنت قربه حتى لو اصبحت مجرد خادمه عنده ... اعتقد انها وافقت من اجل حصولها على الاموال .. فمليون جنيها بالنسبه اليها عرض مغرى بالتأكيد لاتقوى على رفضه ..

مالكة الفؤاد (نور على باب الفؤاد ٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن