الفصل السابع

4.1K 168 60
                                    

ترجلت هبه من السياره برفقه نبيل عند مدخل تلك الفيلا التى ولدت وترعرت فيها .. وقفت امام ذلك الصرح الصغير تتأمله من الخارج بدرجاته الرخاميه المؤديه الى باب الفيلا الداخلى والذى طالما جلست عليها مع صديقاتها .. وتلك الحديقه بارجوحتها والتى تضم الكثير من ذكريات طفولتها وشبابها..
صعدت ذلك الدرج بخفه ونشاط تهم بقرع الجرس لكن غيرت رأيها فى اللحظه الاخيره واخرجت سلسله مفاتيحها من حقيبه يدها تفتح الباب بحذر ..
تخطو اولى خطواتها للداخل وهى تستنشق العبير المميز لمنزل ذكرياتها برائحه الطعام الذى عشقته من يد  والدتها.. ترقرقت عيناها عند رؤيه ذلك الاثاث والذى لم يتغير بجميع مشتملاته من ستائر وسجاد و تحف خزفيه .. كل شىء كما تركته فى ذاك المنزل لكن ازداد المنزل بهجه بصوت تلك الصغيره المتصاعد من غرفه المعيشه وهى تتضاحك مع جدتها ..
هذه هى ضحكه والدتها مع صوتها الرخيم والذى افتقده بشده .. شعرت بالدفىء يملأ المكان بعكس ماتصورته ..
نبيل وهو يقف خلفها بجوار الحقائب الخاصه بها : مش حتدخلى ولا ايه
هبه وقد انتبهت من شرودها : ها .. اه 
اتجهت هبه الى غرفه المعيشه بخطوات حذره حاولت فيها الا يصدر عنها اى صوت .. فتقابلت نظراتها بداده عفاف تخرج من المطبخ لتراها .. لكن هبه اومأت لها بالسكوت قبل ان تفتح فاها .. فازدادت ابتسامه داده عفاف وقد فهمت ماترمى اليه هبه ..
وقفت هبه امام والدتها والتى حسبتها داده عفاف لتقول وهى تداعب حفيدتها : ايه ياعفاف الغدا جهز .. طيب استنى شويه احمد يجى معرفش ايه اللى اخره كل ده ...
لم تتزحزح هبه من مكانها بل تأملت والدتها المنحنيه ارضا بجانب حفيدتها تداعبها وقد ملأ الشعر الابيض رأسها تبدو عليها علامات المرض والاجهاد ..رفعت نجوى بصرها اليها قائلا : ايه ياعفاف فى ا....... ..  هبه .. هبه..
ساعدت هبه والدتها على الوقوف لتحتضنها بقوه واضعه رأسها على صدر والدتها تترك دمعاتها تنهمر من مقلتيها بدون حساب ..
قبلتها نجوى فى كل مكان استطاعت الوصول اليها من وجهها وشعرها وكتفيها  : كده بردو ياهبه كل ده
هبه : معلش سامحينى ياماما مش حسيبك تانى خالص
نجوى بعدم تصديق : بجد يعنى مش حتسافرى تانى
هبه وهى لازالت فى احضان والدتها : لا خلاص ياماما حفضل معاكى على طول
غرام وهى تنظر باستغراب الى هبه : مين دى ياتيته
نظرت هبه الى الاسفل لتجد تلك الصغيره تقف بجوار جدتها تنظر اليها باستغراب فرفعتها هبه اليها قائله : انا عمتو ياروح تيته
امطرتها هبه بسيل من القبلات وهى تدغدها فتتعالى ضحكات غرام بعفويه ..
احم .. ازيك ياطنط .. صدرت تلك الكلمات من نبيل الواقف بحرج عند مدخل الغرفه بجواره داده عفاف التى سارعت بمسح دمعاتها عند ارتفاع صوت نبيل من جوارها ..
نجوى بتفاجىء بعد انتباهها اليه : مش معقول نبيل انتوا جيتوا مع بعض .. ازيك يابنى
اقترب نبيل منها يحتضنها ويقبلها من رأسها لتنظر اليه عن قرب : شكلك اتغير اوى يابلبل ايه الشعر الابيض ده كله .. انت كنت بتشتغل ولا بتحارب
نبيل : نعمل ايه بقى ياطنط انتى عارفه مصاعب الحياه والشغل والسفر
نجوى وهى تجلس بجوار ابنتها بعدما دعت نبيل للجلوس : احمد قالى كنت مع هبه فى لندن .. كتر خيرك يابنى والله انا ارتحت اما اتقابلتوا .. كنت قلقانه عليها اوى وهى ملهاش حد هناك
هبه وهى تنظر لنبيل باعجاب بينما تداعب غرام التى اعتلت ساقيها : وكان نعم الصحبه حقيقى ياماما
نبيل بخجل : انتى عارفه ياطنط هبه يعنى .. لازم اخاف عليها وابقى معاها فى اى حاجه تحتاجنى فيها ..  هبه زى .. زى اختى بالظبط
استمعت له هبه بابتسامه واسعه فى البداية حتى اتم كلماته بتلك الجمله السخيفه فزمت شفتاها باحباط قائله : اه ياماما نبيل كان نعم الاخ فعلا
نجوى بفخر : وده المتوقع منك يابنى طول عمرك ابن اصول بس طولت الغيبه علينا انت كمان
نبيل : وادينى جيت وقاعد شويه حلوين
هبه : متصدقيهوش ياماما ده قاعد على طول هو بس بيقول كده عشان يعمل نفسه مهم ووراه ارتباطات
نجوى بنظره عتاب الى ابنتها : عيب كده ياهبه فى ايه
هبه وهى تنظر الى نبيل نظرات ذات معنى : عادى ياماما نبيل زى اخويا بردو اكيد مش حيزعل مش كده يا باشمهندس
ابتسم نبيل من مقولتها تلك واستعد للوقوف قائلا : طيب استأذن انا بقى ياطنط واجى وقت تانى احمد تقريبا مش موجود
نجوى برجاء : اقعد يانبيل ده زمانه على وصول اقعد نتغدى سوا حيفرح اوى لما يشوفك
نبيل : لا ملوش لزوم انا حب ......
تصاعد صوت غرام والتى كانت تجلس اعلى ساق عمتها : ماما جت وبابا كمان ..
غادرت غرام ساقى عمتها فور رؤيتها والدتها وتوجهت اليها فرحه لتقول : شوفى ياماما مين جه
ابتسمت هبه لدى رؤيتها اخيها واسرعت اليه تحتضنه بقوه قائله : احمد وحشتنى اوى
ضمها اليها بقوه غير مصدقا انها بين ذراعيه : هبه جيتى امتى ومقولتليش ليه
هبه وهى تقبله من وجنته : قلت اعملهالك مفاجأه بقى وكمان مجتش لوحدى ..
تأمل نبيل صديق عمره احمد فلم تتغير ملامحه قليلا فقط تلك الشعيرات القليله البيضاء التى تناثرت فى رأسه بعشوائيه زادت من جاذبيته ..
تقدم منه على استحياء فهو لايعرف كيف ستكون رده فعله الان بعد كل تلك السنوات ..زينت وجهه ابتسامه خجله متوتره ببنما يمد يده لمصافحه احمد ..
هنا التقت عيناه بعينى احمد والذى سيطر على وجهه عده انفعالات سريعه متناقضه تبدأ بابتسامه واسعه ضاقت تدريجيا حتى اختفت تبعتها اقتضابه مابين حاجبيه وعبوس شديد وهو يمد يده لمصافحه صديق عمره الذى اختار مغادره حياته والاختفاء منها تماما .... وسط كل تلك المشاعر بين الطرفين جذب انتباههم جميعا كلمات هبه ...
كانت هبه قد تزحزحت من احضان اخيها لتعطيه المجال لمصافحه نبيل وهنا التقت عيناها بنور والتى كانت تقف جانبا حامله غرام تملأ عينيها نظرات غريبه نوعا ما ..
نظرت اليها هبه مليا قبل ان تخرج تلك الكلمات من بين شفتيها لتلفت انظار الجميع الى ماقالته : (ايه ده مين دى .. دى مش نور )
زادت نور من عناق ابنتها تلقائيا وهى ترجع خطوه للخلف بينما قال احمد بسخريه : مش نور ازاى يعنى ياهبه هولمز
هبه : مش قصدى .. قصدى ان شكلها اتغير خالص ده انا لو شوفتها فى الشارع مكنتش حعرفها خالص ..
استعادت نور ثقتها وقالت محاوله تغير مجرى الحديث : انا كمان مكنتش حعرفك اصلى مش فاكره اى حاجه بعد الحادثه بس انتى هبه اخت احمد صح
هبه بعد ان سمعت صوت نور : تصدقى كمان مع صوتك كنت استحاله افكر انك نور .. اه ياستى انا هبه ياترى فاكره اخر مره شوفنا بعض فيها ولا لا
نظرت نور الى احمد بتردد لاتدرى بما تجيبها لكن انقذتها نجوى بمقولتها : مبروووك يانور ياحبيبتى رجعتى زى الاول واحسن .. معلش مخدتش بالى اول مادخلتى كنت ملخومه فى هبه .. شوفتى ياهبه اديها لسه راجعه من الدكتور اهو والحمد لله ايديه فيها الشفا والعمليات مسابتش اثر .. لا ده احنا احلوينا كمان .. وشكوا حلو علينا ياولاد 
هله بحذر : فعلا احلوينا كتير ياماما مش بقولك مكنتش حعرفها كأنها واحده تانيه .. بس ياترى التغير من بره بس ولا من جوه كمان
نظرت لها نور بغير فهم لكن تصاعدت كلمات نجوى : ايه يابنات مش حتسلموا على بعض ولا حتقضوها تخمينات كده
احمد : قوليلهم ياماما دول لسه حيستعيدوا الذاكره دلوقتى هم الاتنين .. لسه قدامكوا ايام وليالى ياهبه تعملوا كل اللى انتوا عاوزينه وتفتكروا كل حاجه ..
هبه وهى تهم باحتضانها : بيتهيألى احسنلها انها متفتكرش حاجه احسن ..
نظرت نور الى احمد بتساؤل وهى بين احضان هبه التى  عانقتها عناقا جافا وطبعت قبله سريعه على احدى وجنتيها بينما اومأت لها نور بضحكه ظاهريه ..
نظرت لها هبه طويلا قبل ان توجه كلماتها الى احمد : ها ايه رأيك فى المفاجأه دى بقى
تنفست نور الصعداء فور تغير مجرى الحديث عنها بينما اجاب احمد هبه بعتاب : مقولتيش ليه اجى اجيبك من المطار
هبه بمرح : كنت عاوزاها مفاجأه بقى والبركه فى سى نبيل جه معايا مخصوص عشان متلخمش فى حاجه
احمد محاولا تجاهل نبيل والذى شعر بالاحراج بدوره :  اه طيب حمد الله على سلامتكوا
نبيل : طيب استأذن انا بقى
نجوى : لا مش قبل ماتتغدى .. جرى ايه يااحمد مش حتمسك فى صاحبك يتغدى معانا
احمد بجمود : نببل مش غريب ياماما لو عاوز يقعد كان قعد مش محتاج عزومه هو تلاقيه بردو عاوز يوصل شنطه ويرتاح شويه ..
شعر جميع الحضور بالاحراج فتنتحنح نبيل قائلا : اه فعلا محتاج امشى ورايا كذا مشوار اعمله ..
نجوى : طب قضى اليوم هنا وبات معانا النهارده وبكره ابقى شوف مشاويرك
نبيل : معلش خليها مره تانيه ياطنط بعد اذنكوا
توجه نبيل للخارج بينما تحرك احمد ورائه بتثاقل بعدما حثته والدته على ذلك ..
احمد بعدما اوصل نبيل الى سيارته : مع السلامه
نظر له نبيل نظره طويله ذات معنى تملؤها العتاب والحزن لكن نظرات احمد الغاضبه لم تعطه الفرصه للتفوه بنصف كلمه فاكتفى نبيل بقول : نتكلم بعدين اما تهدى
ظل احمد يراقب نبيل وهو يبتعد بسيارته الى ان اختفى عن محيط نظره ومن ثم لانت ملامحه ونظراته القاسيه اختفت ليحل محلها نظرات الحنين والاشتياق لصديق عمره الذى ملأ الشيب معظم رأسه معلنا عن ماعاناه فى تلك السنوات من قسوه الزمان وحده فى تلك الغربه الموحشه التى اختارها لنفسه لكنه ايضا لن يسامحه على اختياره الابتعاد عنه والاختفاء من حياته عمدا طوال تلك السنوات وتناسيه واجب الصديق تجاه صديقه ..

مالكة الفؤاد (نور على باب الفؤاد ٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن