_ وداع ! _

12K 377 7
                                    

هبطت الطائرة الخاصة التي أرسلها "عثمان" لنقل جثمان عمه من بلاد الضباب "المملكة البريطانية المتحدة" إلى وطنه و مسقط رأسه.. "الأسكندرية" ...

كان الوقت باكرًا... عقارب الساعة في يد "عثمان" تشير إلى السابعة صباحًا.. الطقس في حالة إنخفاض حراري مفاجئ، و رذاذ خفيف من السماء الرمادية ينهمر فيندى رأس و وجه كلًا من "عثمان" و "صالح" الواقفان جنبًا إلى جنب بالمعاطف الثقيلة الموّحدة باللون الأسود

التجهم يجلل تعابير وجهيهما. النظرات تراقب فقط.. إستقرار الطائرة فوق الأسفلت الأسود الغارق في المياه... تهب نحو ولديّ العمومة ريحٍ عاتية عصفت حولهما ناجمةٍ عن المرواح التي علت أصوات زمجرتها.. قبيل توقف المحركات بالتدريج.. و حتى سكنت الطائرة تمامًا !

لم يتحركا، بقيا كأنهما ينتظران... بينما في المقابل مجموعة رجال كل منهم يرتدي بَزَّة واقية، و يهبطون من سيارة إسعاف وصلت لتوها، ثم يتجهون ناحية الطائرة حاملين سريرًا نقالًا

دقيقة أخرى و انفتح باب الطائرة و تدلى الدرج الحديدي عبر بابها، ليصعد طاقم المسعفون و يغيبوا بالداخل لبعض الوقت.. ثم يظهروا مجددًا و هم يحملون بأيديهم السرير النقال الذي رقدت فوقه جثة "رفعت البحيري" مغلفة بالبلاستيك القاتم و المعقم، رغم ذلك كان هناك فرد يسير بالمثدمة يضع على ظهره إسطوانة معدنية و يقوم بإفراغ محتواها فوق الجثمان و حوله باستمرارٍ ...

في الطرف الآخر، يفقد "صالح" أعصابه التي حافظ على إحكام سيطرته عليه منذ تلقى خبر أبيه.. لحظة وقعت عيناه على جثته المحمولة على بعدٍ منه، انهمرت دموعه فورًا و أفلتت من بين شفاهه نهنهة بكاء حارة، حاول أن يقمعها بادئ الأمر... لكنه لم يفلح

إنهار تمامًا و انفجر باكيًا و هو يندفع بلا تردد نحو أبيه صائحًا بحرقةٍ :

-أبويــاااااااااااا .. أبويــــاااااااااااااا .. أبويــــــاااااااااااااااااا ...

تجاوز "صالح" الجميع عنوةً و دحر كل من أعترض طريقه بطشًا بقبضته، حتى وصل لوالده، ارتمى فوقه محضتن جثته المغلفة و هو يجهش بعويل أكثر مرارةً و كأنه طفلًا بالسابعة و ليس رجلًا قد جاوز الثلاثون ...

يخرج "عثمان" عن صمته بعد لحظاتٍ بعد أن طلبوا معاونته للسيطرة على إبن عمه.. تحرك صوبه وئيدًا، إذ رغم كل شيء ود أن يمنحه فرصة أخيرة لتوديع أبيه، هذا حقه، كما سنحت له هو الفرصة مع والده المرحوم قبل ثلاثة أعوام !

-صـالـــح ! .. هتف "عثمان" بصوته القوي و هو يمد يده ممسكًا بكتف الأخير

أردف بصرامةٍ محكمًا قبضته عليه ليبعده قليلًا حتى يتمكن المسعفون من المضي بالمتوفي :

-صــالــــــح ! خلاص يا صالح. قولتلك خلااااص. ماتخليش أبوك يستنى أكتر من كده.. لازم ندفنه !!

سَلْ الغَرَاَمُ { عزلاء أمام سطوة ماله } ج2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن