أخيرًا يكف صغيره عن البكاء تمامًا... لحظة أن وضعه بين أحضانه و ضمّه بحنانٍ لبضعة دقائق.. إستكان و ما لبث أن غفى فوق صدر أبيه لا يُلقى للدنيا همًّا
أطلق "عثمان" نهدة مطوّلة و هو يسند رأس طفله إلى وسادة صغيرة، ثم يبتعد قليلًا عنه حتى لا يزعجه.. يمدد جسمه بجواره و يغمض عيناه ناشدًا بعض الراحة بعد اليوم العصيب الذي مرّ به و المفاجآت التي لم يحسب لها حساب.. ظهور "نانسي" أمامه و الرجال الذين دفعت لهم ليحطموه.. ليدمروه عن آخره لولا هبوط ملاكًا من السماء يُدعى "صلاح"... لا يدري ما كان سيفعل من دون مساعدته
اليوم فقط تأكد "عثمان" بأن رصيده لم ينفذ كله عند الله.. و أنه سبحانه و تعالى رغم كل ما فعله يمده بالعنايات و يظلله برحمته أينما ذهب.. ماذا فعل ليستحق هذا أيضًا.. لا يدري !
انتفض "عثمان" بخفةٍ حين تناهى إلى سمعه صوت نقرة واحدة على باب غرفته.. إنفتح جفناه دفعة واحدة، في نفس اللحظة تدفع أمه الباب هاتفة بخفوتٍ :
-عثمان !
كانت لهجتها إستئذانية ...
و بالرغم من التعب و الارهاق اللذان يلمّان به كليًا، إلا أنه لم يبدي أيّ تذمر من زيارة أمه السريعة و نيتها بالالحاح عليه.. إرتفع بجزعه نصف قائمًا فوق الفراش
استند إلى مرفقه و هو يتطلع إلى "فريال" حيث كانت واقفة محلها عند عتبة الغرفة ...
-إتفضلي يا فريال هانم ! .. قالها "عثمان" بلهجة هادئة لطيفة
تقدمت "فريال" للداخل و قالت بحذرٍ و هي تغلق الباب خلفها :
-أنا صاحيتك يا حبيبي ؟!
هز "عثمان" رأسه للجانبين قائلًا :
-أنا لسا مانمتش.. ماكنتش هنام أصلًا. كنت مريح جمب يحيى بس ..
و تابع بسخرية مريرة :
-إستحالة واحد زيي يجيلو نوم من أساسه !
اختلج قلبها بلدى سماع نبرة اليأس و التخاذل بصوت إبنها... سارعت تجاهه مهرولة و هي تقول و عيناها تلتمعان بمسحة من الدموع :
-ليه يا حبيبي بس.. محمّل نفسك أعباء الدنيا كلها ليه يا عثمان. إرمي من فوق كتافك يابني ...
و جلست مقابله على طرف السرير.. مدت يدها و مسحت على شعره و وجهه متمتمة بصوتٍ مهزوز :
-أنا عارفة إنك بتستحمل و بتشيل المسؤلية كلها منغير ما تشتكي. عارفة إن أبوك رباك على كده و زرع فيك صفات كتير حلوة بغض النظر عن تصرفاتك طيشك لما كبرت و حسيت برجولتك.. بس محدش يقدر ينكر إن إبن كويس. و راجل شهم. و أخ طيب. و أب حنون.. لكن للأسف فضلت تكون زوج يا عثمان !
رمقها بدهشةٍ قائلًا :
-إنتي إللي بتقولي كده ؟ فشلت أكون زوج.. مش على أساس كنتي واخدة صفي يا ماما ؟!!
أنت تقرأ
سَلْ الغَرَاَمُ { عزلاء أمام سطوة ماله } ج2
Romanceرفرف قلبها بشدة.. حين رأته مقبلًا عليها ببطء هكذا و نظراته تشملها بتفحصٍ لا يخلو من الإعجاب ... و تلقائيًا. علقت أنفاسها بصدرها و هي تستشعر الذبذبات الحارة المنبعثة من جسمه الآخذ بالاقتراب منها، حتى توقف أمامها مباشرةً.. المسافة بينهما لا تُذكر، لكن...