_ ذاك القهر ! _

16.7K 696 162
                                    

على مدار يومين استجابت "هالة" لكافة التحكمات التي فرضتها "سمر" عليها.. تركت لها كل السيطرة على أحوالها منذ الاستيقاظ من نومها و حتى وقت الخلود إلى الفراش

و ذلك كله لأجل ماذا !

لأجل سلامة الجنين بالطبع.. فذاك الطفل الذي تكنفه "هالة" برحمها هو كل ما يهم "سمر" حاليًا، ليس لأنه يكون من صُلب أخيها فحسب، و لكن أيضًا لأنه يُعد الذكرى الوحيدة المتبّقية لها منه

إذا ما لم يحبّذ "فادي" العودة، فسيكون طفله بمثابة السلوى التي سوف تلتمس منها التعويض عن غيابه و لو قليلًا.. رغم أن لا شيء يعوض غياب أخيها، و رغم أنها بحاجة ماسة إليه الآن أكثر من أيّ وقت لشعورها بالوحدة و اليتم لأول مرة.. إلا أنها لا تملك سوى أن تتمنى له راحة العيش، و أن يجد السلام أينما كان !

_______________

تسحب "سمر" الملعقة من فم "هالة" من جديد، لتضعها بصحن الحساء الفارغ أخيرًا و هي تغمغم راضية :

-بالهنا و الشفا.. كمان شوية تاخدي الحباية بتاعتك و خلاص بقى

ابتسمت "هالة" و قالت برقةٍ بينما تلتفت "سمر" لتشد عربة الطعام صوبها :

-طيب و أخرة الدلع بتاعك ده يا سمر.. إنتي حرة أنا هاتعود على كده !

بادلتها "سمر" بابتسامة هادئة و هي تقول مناولة إياها كأسًا من المياه :

-ياستي إتعودي. و ماله يعني.. أهم حاجة تتغذي كويس زي ما الدكتور قال. عشان تحافظي على صحتك و على صحة البيبي

حافظت "هالة" على نفس التعابير المنبسطة و لهجة الصوت و هي ترد عليها شاردة لا شعوريًا :

-آه على البيبي ده.. ربنا وحده يعلم إني مكملة عشانه هو دلوقتي. عشانه هو بس ..

نظرت "سمر" لها في هذه اللحظة، بقيت ساكنة تمامًا لثوانٍ .. ثم تحرّكت يدها نحوها، فامسكت بيدها و أطبقت عليها باصابعها الطريّة اللطيفة

تطلعت "هالة" إليها بوجهٍ مكفهر، لتقول "سمر" على الفور و الثقة تملأها :

-هايرجع.. صدقيني يا هالة هايرجع !

رباه... كيف واتتها تلك الثقة الكبيرة فجأة !!!!

لقد كانت فاقدة الأمل، و الآن تتفوّه بهذا التأكيد و تكاد تقطع لتلك المسكينة وعدًا.. كيف تفعل ذلك ؟!!!

-لو رجع مش هايكون عشاني ! .. تمتمت "هالة" بصوتٍ كالأنين

سطعت بعيناها لمعةٍ من الدموع و هي تستطرد مطرقة الرأس في خزي :

-و حتى لما يرجع مش هايبقى عايز يبص في وشي بعد كل ده.. مش عارفة إنتي إزاي قادرة تعملي كده. خصوصًا بعد ما حكيتلك على كل حاجة !!

و فرت دمعة من عينها، لم تكد ترفع كفها لتزيلها.. استبقتها "سمر" و كفكفتها لها، ثم رفعت ذقنها بأناملها لتجبرها على النظر إليها، و قالت بلهجة عطوفة :

سَلْ الغَرَاَمُ { عزلاء أمام سطوة ماله } ج2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن