الجزء ١

7.9K 78 6
                                    

.
قبـل ٥ سنـوات :
خرجت من عتبة باب المطار لأول مرة في حياتها ، وهي تُواجه
البرد / الهواء الثقيل / الإزعاج الصاخب / والغُربة
مُمسكة بعبائتها وبقبضة يدها
جواز سفرها الأخضـر والرسالة الوحيدة
تُداري دموعها وشهقاتها العَميقة المُوجعة!
حتّى خرّت على الأرض وهي تصرخ بصوتها المبحوح!
أطلقت العنان لصُراخها بعدّ أن ظلّ حبيس الصمت
وهي جاهلة بالوضع الذي أوصلها لمدينة البرد والمطر
لمدينة الضباب ، مديـنة لندن !
فتاة في العشرين من عُمرها ، استيقظت على صخب لندن العالي جدًا في مُنتصف الليل
دون أهل / دون سند / دون حتّى مال لتقضي حاجتها فيه
كانت صراختها تتعالى والنظرات من حولها يشوبها الإستغراب
لم يستجرأ شخص واحد فيهم أن يقترب مِنها
وبسبب صُراخها العالي وسوء تغذيتها
والبرد الشديد في بداية شهر فبرايـر ،
لمّ يستحمل جسدها الغضّ
حتّى أغمضت عيناها بهدوء ليسقُط رأسها على الأرض المُبللة
وجسمها يدخُل في إغماءة التعب / الصدمة !
.
.
.
.
.
اليـوم :
غرب مديـنة لندن - حيّ بيزووتر - شارع كويـنز وي :
نزلت من العمارة التي تسكن فيها بعجلة فائقة
وهي تلّف على رقبتها الشال الوردي الباهت
وتعدّل "التوربـان" على رأسها ! لتخرُج الى الشارع
قابلها الهواء القوي الذي ارتدّ عليها بسبب فتحها للباب
أحكمت إغلاق معطفها الطويل لتخطي خطواتها
إلى محطة الأنفاق التي تبعد ١٠ ثواني عن سكنها
همست بغيض من نفسها المُتأخرة بكثرة:
مطرودة مطرودة اليوم
ابتسمت للعامل وهي تقصّ لها التذكرة
حتّى وقفت بجانب الجدار مُنتظرة للقطار
ثواني معدودة لتبتسم لقدومه بصوت صفّارته العالي
ركبت وهي تتخذ لها مكان بقُرب النافذة كعادتها
لتخرج من حقيبتها القُماشية
نظارتها الدائرية / الشفافة!
تخفي من خلفها البُقعة البيضاء المُحيطة بعينها اليمنى
والتي نسميّها علميًا " البُهاق "
لمّ تكن يومًا تلك البُقعة حاجبة لجمال عينها
وكثافة رموشها وحواجبها التي اتخذّ بعضها اللون الثلّجي
بل زادتها تفردًا وتميزًا عن غيرها!
رفعت يدها لساعتها لتعضّ شفايفها بقلق
فهي مُتوجهه إلى المقهى الذي تعمل فيه
في مدينة ويستمينستر!
بعد دقايق طويـلة وقفّت بعد أن وصل القطار
إلى محطّة ڤيكتوريا ! لتُمسك أغراضها وتخرج
وقفت خارج المحطّة لتبدأ الجولة اليومية
والممُتعة بالنسبة لها !
أحكمت القبض على حقيبتها لتهمس بينها وبين نفسها:
واحـد ، اثنيـن ، ثلاثـة
انطلقت تركض بأقصى سُرعتها ، تاركه مؤقت ساعتها مفتوح
تُحاول أن تنسى همومها برحلة الركض هذه
وتتخيّل بأنها طيّر يحلّق في السماء الباردة
دقائق أخرى حتى توقفت أمام المقهى
وهي تضع يديها على رُكبتها لتأخذ نفسًا عميقًا
لترفع ساعة يدها للمؤقت وهي ترى " 5:35:45 "
ضربت برجلها على الأرض بقهر لتُردف:
أوف كادي أوف ، كل يوم تزيدين ٥ ثواني
رفعت نظرها للعجوز التي تنظر لها بنظرات مُستغربة / آسفة
لتقترب منها كادي بضحكة خفيفة
ابتسمت العجوز على وقع ضحكاتها لتُردف:
يا فتاة ! ألا تكفّين عن هذا الركض اليومي؟
ابتسمت كادي بخفّة لتُردف:
أبدًا ، وسأواصل حتّى أحطم الرقم القياسي
رفعت نظرها لواجهة المقهى الصغير
ذات اللون الأخضر الفاتح والمكتوب على زُجاجه
‏" The English Rose café and Tea Shop "
أي مقهى الورد الإنجليزي ، لتُكمل:
هل ستجلسين بالخارج أم بالداخل؟
تقدّمت العجوز وهي تدخل مُتجاوزتها :
بربّك ، ألا ترين المطر ؟ بالطبع سأجلس بالداخل
دلفت من خلفها بابتسامتها المُشرقة
وهي تنزع معطفها وترتدي "المريلة" لتُباشر عملها
بكلّ حبّ وإتقان!

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن