الجزء ١٩

1K 18 0
                                    

.
صباحًا - في إحدى شقق شارع أكسفورد:
ارتدى آخر قطعة من لبسه لهذا اليوم المخطط له جديًا وهو يسمع رنين الجرس
شابهه الإستغراب من ذا الذي يأتي في هذا الوقت والساعة ما زالت السادسة صباحًا
اقترب من الباب وهو يُمعن النظر في العدسة السحرية لتتوسع عيناه بصدمة
فتح الباب بسرعة أفزعتها ليقول بحدة خالطها الإستغراب:
مجنونة أنتِ ؟
وش جابك من صباح الله خير لاكسفورد؟
دخلت سامحه لنفسها بالدخول لتقف أمامه بعد أن أغلق الباب وهي تُميل بفمها بإمتعاض:
صباح الخيـر!
عضّ شفته بإنزعاج من تجاهلها لسؤاله:
كادي جاوبي على سؤالي!
وش جابك هنا ، راشد يدري بجيتك ؟
كتفّت يديها لصدرها وهي تنظر له بنفس النبرة:
صباح النـور !
سكت قليلًا ، ليتنهدّ ثم يبتسم بهدوء عميق وهو ينظر لعينها:
صباح الـورد ، أما بعد ؛
وش جابك ؟
أنزلت يدها بحماس استحل فؤادها لتتجه ناحية المطبخ الذي حفظت مكانه مُسبقًا
لتبدأ بفتح الأدراج باحثة عن عدة أمور
تبعها وهو مُبتسم ابتسامة عميقة ، ليجلس على "كرسي البار" ينظر إليها بسكون وهدوء
التفتت له بنفس شُعلتها:
عندك قهوة ؟ وراك طريق لازم تشربها وتصحصح
أشر لها على أحد الأدراج ، أخرجتها وهي تضعها على الجهاز
لتنتظرها حتى رنّ صوتها مُعلنة إنتهائها!
سكبت له في كأس عميق وهي تمدّه له
أخذه ليشرب منه رشفة وبنفس ابتسامته:
اييووه ؟ غردّي وش اللي في بطنك!
لا تقولين إنك جيتي عشان تسوين لي قهوة
أخرجت كيس بلاستيكي صغير جدًا بداخله قطع سوداء لم تتبين لإياد ، اقتربت منه لتقف أمامه بينما هو أزاح الكُرسي ليكون مُقابلًا لها
فرّغت الكيس بنفس حماسها وهي تقول:
سرقته من عند مُهند ولو يدري والله إن بيدفني بمكاني
-ابتسمت وهي تُخرج قطعه سوداء أصغر من قطرة الماء-
كاميرا صغيرة ، وسماعتين !
مدّت يدها وهي تُلزق الكاميرا الصغيرة في إحدى أزرار قميصه الأسود وهي تحمد الله أنها لم تظهر بسبب اللون:
مدري من وين يجيب مهند هالأدوات ، أشك إنه يشتريهم من السوق السوداء
لكن يالله تفي بغرضنا هالمره!
مدّت له سماعة صغيرة ليرتديها دون أن تتبين وهو ينظر لها بإندهاش مصمت ، لم يتكلم تركها لكي تقوم ما تُريد القيام به
رآها وهي ترتدي السماعة الآخرى وترفع رأسها له بابتسامة:
خلصنا ، الحين اقدر ارتاح!
أعاد حركته المؤلمة ، ليجمع السبابة والوسطى ويضرب بها جبهتها
تراجعت للخلف وهي تصرخ بألم:
إيــاد!
وقف بطوله الفارع لينظر إليها من أعلاه ، لا يعلم كيف يفسر حركتها هذه ، أردف بإستهزاء:
وش هالحركة بالله ؟
هي قلة ثقة ، ولا زيادة اطمئنان ؟
ضحكت بتسليك لتتراجع عن مداه ويدها ما زالت على جبهتها:
اتطمن بس ، والله اتطمن - أزالت يدها لتتأفف - شكلك حالف تحفر جبهتي!
تكفى بلاها هالحركة بتسبب لي صداع!
أشر لها بإصبعه للباب وهو يقول بجدية صارمة:
مرة ثانية تجين لاكسفورد لحالك حشيت رجولك
يا بابا حسّي بخطورة الوضع حسّي
مشت متأففه من تهديده دون أن ترد عليه لتتجه إلى الباب وهو خلفها تمامًا ، توقفت فجأة
لتلفتت إليه وتنظر له بإستجداء هامس:
لا تتأخروا ، وانتبهوا لأنفسكم
لا تشيل السماعة من إذنك خلني على الخط ولا تخرب الكاميرا
وضع يده على خصره ويده الآخرى تمسح على شعره
ليتنهدّ ببتسامه:
ابشري يا بنت جابر ، أوامر ثانية؟
فتحت الباب وهي تنوي الخروج والعودة إلى كوينز واي لتُهمس ونظراتها الخجلى بالأرض:
محشوم ، أنا بس أطلب منك
ما اتآمر عليك!
خرج وراءها وهو يغلق الباب ليأشر للسيارة التي تقف بالقرب من الرصيف المُقابل لشقته:
استأجرت هالسيارة لعدة ساعات - ابتسم عندما رأى نظراتها المستغربة من هيئة السيارة- أدري السيارة عبارة عن خردة
بس هذا من ضمن الخطة - وبجدية -
اركبي خليني أوصلك شقتك بدل لا تمشين!
زفرت وهي تتبعه لتقول بنبرة جادة :
على فكرة ...
وضع يده اليمنى على سطح السيارة ، واليسرى على الباب المفتوح بعد أن ارتدى نظارته الشمسية
ليبتسم في وجهها بصبر وطولة بال
تعلثمت بكلامها لتردف بهمس وهي تدخل:
استغفر الله ، خلاص كنسلت كلامي
اتسعت ابتسامته لتخرج ضحكة خافتة من بين شفتيه وهو يدخل داخل السيارة
.
.
.
يقف مُهند ساندًا يده على الجدار أمام دورة المياة وقلبه يتآكل على التي بداخله تتقيأ الوجع وماء المعدة الفارغة
التفت لدانة التي تقدمت إليه والخوف أحاط بقلبها
لتهمس له بعد أن رأت قلقه:
للحين ؟
زفرّ بخوف من حالتها الغريبة عليه وعلى دانة التي لأول مره تراها بهذه الحالة وبغضب:
هذه ثالث مرة تطلع اللي ببطنها ، وهي يادوب حطت لقمة في فمها - تأفف بضيق - وماقدر أخذها للمستشفى ماقدر
كانت ستقول له أن يأخذها لعيادة خاصه إلا أنها تراجعت عندما علمت الإجراءات الصارمة حتى في العيادات
فقد يطلبون المعلومات الشخصية وبطاقة الإقامة التي لا يملكوها
خرجت ماريّا بهذه اللحظة ليتلقفها مُهند بكل حنيّة الدنيا خوفًا من أذيتها وبهمس:
عمري ، كيفش الحين إن شاء الله أحسن؟
عسى خاز ( راح ) عنش اللوعان ؟
تنهّدت وهي تمسح قطرات الماء من على حاجبها وتسند جبهتها على صدره بألم:
مادري ، يروح ويرجع
ما أحس إني ارتحت ذاك الزود
زفرّ بقلق وهو يحتضنها بكلتا يديه ليُحيطها ويريحها على صدره
نظر إلى دانة بقلق غاضب:
دوين تصرفي ، ترا وحدي مرتبك ماعارف ويش اسوي
سوي هذاك .. ءءاا هذاك ويش اسمه - تأفف -
استغفر الله نسيته ، هذاك اللي يشربوه ويخوز اللوعان
فيه قرنفل ولا قرفة ماعرف ويش اسمه
ابتسمت دانة لإرتباك مُهند الرقيق ، وابتسامتها كادت تتحول لضحكة إلا أنها احترمت تعب ماريّا
أجلسوها على الكنبة ليجلس هو بجانبها ودانة تقف على رأسهم:
بسويلج شاي نعناع مع قرفة ! علّها تخف عنج هاللوعة
وبثواني .. ابتعدت ماريّا عن حضن مُهند وهي تُركز على نقطة مُعينة ! كأن كلامهم ايقظها من سباتها الغبي
كأن ترجيعها المتكرر منذ الشروق ، وغثيانها المُتعب
ورغبتها في النوم المتزايدة ضربتها على رأسها
رفعت رأسها ببطء إلى دانة المُندهشة بإرتجاف:
القرفة نشربها أيام الدورة الشهرية - بلعت ريقها - وأنا لها ثلاث اسابيع متأخرة عن موعدها
شهقت دانة بفرحة عارمة عندما استنتجت مقصد ماريّا لتضع يدها على فمها بضحكة
إلا أن مُهند التفت لها عاقدًا حاجبيه بغباء وعدم إستيعاب:
انزين يمكن عشان هي متأخرة مسوتلش هاللوعان
خليها تروح تسويلش شاهي قرفة ، وأنا بنزل اجيبلش حبوب اللوعان من الصيدلية
صفقت دانة بيديها وهي تضحك على غباء و"فهاوة" هذا الرجل الذي لم يستنتج ما خطب زوجته
نقرت على كتفه وبمزاح:
لا يابوي قوم ييب لها تيسترات حمل من الصيدلية
وخلي حبوب اللوعة
التفت له ماريّا وهي تبتسم بدموعها التي أوشكت على النزول ووجه مُهند يجبرها على الضحك
وقف فجأة بشكل أفزع ماريّا الجالسة جنبه وهو يوجه كلامه لدانة:
دوينه بلا مزح ! ترا ذي السوالف ما فيها مزح ولعب أعصاب
ضحكت ماريّا وهي تضع يديها على بطنها
لتُردف دانة بضحكة:
أنا متأكدة الحين إنك بتصير أب فاشل - وبمرح - ولد
قم بسرعة وروح الصيدلية ، اشتري ٣ عشان نقطع الشك باليقين - مدت يدها لتدفعه - بسرعة بسرعة بسرعة
استوعب مهند للتو وهو يضحك تارة ويسكن تارة
ما بين الحُلم واليقظة ، ما بين التصديق والتكذيب !
مشاعر مختلطة غريبة لأول مرة يشعر بها ، أم أن هذا ما يسمى بفرط المشاعر الأبوية
التفت لدانة التي تدفعه ليقول بتوتر ضاحك:
سمعيني ، لا تخليها تتحرك شبر من مكانها
خمس دقايق نازل الصيدلية وراجع - وبجدية -
إن تحركت والله ما تلومي إلا نفسش
فتحت الباب لتخرجه وهي تأشر بأصابع يدها الخمس:
يلا يا بابا مهند يلا بسرعة مافي وقت
لتغلق الباب بعد أن صدحت ضحكاتها على مُهند الذي كاد أن يتعثر من فرط حماسه
.
.

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن