الجزء ٢٠

974 28 1
                                    

.
دخلت ديّار بشكل سريع إلى الغُرفة الآخرى الخالية بجانب جناح العروس وهي تُقفل الباب وتتكئ عليه
أغمضت عينيها لتأخذ شهيقًا وزفيرًا حُبس بداخلها من اللحظة التي خرجت فيها من المنزل
لأول مرة تكذب في حياتها ، ولأول مرة تمر هذه الكذبات وتصل لأهلها!
صرّت على عينيها وهي تذكر سبب الذي أجبرها على الكذب
"قبل ساعـات - جناح ديّار / راجح :
وضعت آخر غرض في حقيبتها التي ستأخذها لبيت أهلها ، فمصففة الشعر وخبيرة المكياج ستأتي هُناك
آثرت أن تتجهزّ في غُرفتها القديمة عوضًا عن ذهابها للصالون
أغلقت الحقيبة وهي ترى دخول راجح السلس والمُتعب
ألتفتت له بإبتسامة صغيرة باتت تغتصب إخراجها لتُهمس برقّة:
أطلع لك ملابسك ؟
وقف في مُنتصف الجناح وهو يرى وقوفها بجانب السرير الذي يقبع فوقه حقيبة متوسطة
لتجول نظراته الجناح وهو يلمح ثلاث حقائب متدرجة في الحجم بالزاوية
عقد حاجبيه ليقترب منها بغضب غير مُبرر:
ليش جهزتي شنطتي ؟ماقلت لك جهزي شنطتك وشنطة فهد بس
أنا مب صغير أعرف أدخل أغراضي!
اختفت ابتسامتها تدريجيًا لتتنّهد وهي تمشي للدولاب تخرج له بيجامة نوم لتردف:
أنت بترجع من الدوام تعبان ، يادوب تتغدى وتنام وتطلع مرة ثانية
وقلت لي إننا راح نسافر فجر بعد ما يخلّص العرس
متى يمديك ترتب شنطتك وأنت مشغول ؟
-التفتت له وهي تترك بيجامته على السرير- توصلني بيت أهلي؟
اقترب وهو يحمل حقيبته ليُردف بجمود مُكره:
لا كلمّي سواقكم أنا مشغول ، وبالليل لا رجعتي أرجعي مع أخوك
أرتدت عباءتها بغضب من قلة ذوقه الدائمة معها ، لتأخذ حقيبة أغراضها وحقيبة يدها وهاتفها لتنزل إلى الأسفل
التقت بفهد وأسيل يأكلان طعام الغداء على الطاولة لتترك حقائبها على الأرض وتتجه لهم
قبّلت رأس فهد بابتسامة عميقة وتلتفت لأسيل التي قالت:
وين رايحة ؟ راجح ما بعد تغدّى
تغدي ثم روحوا لا تتعبين في العرس اليوم
ابتسمت فيه وجهها وهي تسمع رنين جوالها:
راجح تعبان بينام ، وأنا بطلع مع أخوي هذا هو جاي لي
لا تعلم لما قالت " أخوي " بدلًا من السائق ، لا تعلم المغزى من كذبتها على أسيل !
ابتسمت أسيل بإعتذار لملامح وجهها التي بان الضيّق عليها:
اعذريني إني ماقدر أحضر ، سلّمي على إرم
واعتذري لي من شادن
هزّت رأسها بإيجاب لتردف برجاء وهي تُقبل فهد:
خليه يتعشى مبّكر عشان ينام ورانا طريق الفجر
تكفين أسيل لا يسهر ويخترب نظام نومه
ابتسمت لتهزّ رأسها بإيجاب مُطمئن وهي تخرج متجهه إلى سيّارة السائق
الذي بمجرد ما ركبت قالت له بجدية:
سيّد علي لا تعلّم أحد إنك جيتني طيّب ؟
وإذا في أحد سألك قول بابا راجح
هزّ رأسه طوعًا دون أن يردف حرفًا واحدًا لتتراجع ديّار وهي تتنهّد من عُمقها
ظنّت أن التعامل مع راجح سيكون سهلًا ، لكن لم تكن تظن ولا واحدًا بالمئة أنه سيكون كالصندوق المُقفل
زفرّت وهي التي ما اعتادت على الخسارة
كسبت فهد بصفها في أيامٍ معدودة ، وستكسب راجح وإن تطلب منها الأمر عُمرًا كاملًا"
فزّت من وقفتها عندما شعرت بطرقاتٍ على الباب لتبتعد وهي تفتحه بخفّة
دخلت من خلفه شادن المُتأنقة وجدًا في هذا اليوم الخاص ، فاليوم هو زواج شقيقها القريب من قلبها والحنون عليها
ابتسمت شادن على إستحياء:
ديّار أنتِ اللي هنا ، وأنا اللي قلت ليش الغُرفة مقفولة!
ابتسمت ديّار لها وهي تراها تدخل وتجلس على الكنبة:
ايه جيت أتعدل شوية -سكتت عندما لمحت الحُمرة متسلله لملامج وجهها- صاير شيء ؟
ارتبكت شادن لتزداد حُمرة وجهها رُغمًا عن أنف المكياج لتقول بلعثمة:
ءءاا إذا مافيها كلافه تقدرين تنزلين المطبخ وتشيّكين على الكيكة اللي أخوك دخلها- عضّت شفتها بخجل-
اليوم حالفه وين ما ألفّ ألقاه في وجهي ، مالي وجه أنزل مرة وأصادفه!
ضحكت ديّار بمرح وهي تُغمز لها لتُشعلها بخجلها:
ياعيني يابنت ، طيّب وش فيها اعتبريها نظرة شرعية
أخوي شحلاته وأنتِ تهبليّن!
شهقت شادن وهي تقف وتتجّه لديّار ، أمالتها من ظهرها لتُخرجها وهي تقول بربكة:
يا عيّب الشوم يا ديّار تزوجتي وفسختي الحياء مرة وحدة
روحي بس تكفين وشيلي هالفكرة من رأسك
صدحت ضحكات ديّار لتخرج متجهه إلى المطبخ بينما عادت شادن الجلوس على الكنبّة
وهي تهب بعضًا من الهواء على وجهها الذي احترق بحياءها لتتذكر الموقفين الذين جمعاها بخيّال
"قبـل ٤ ساعات من الآن :
دخلت شادن للبيت بعد أن عادت من الصالون ، متذمرة وحانقة بسبب كعكة الزفاف التي صنعتها بيديها ونسوها في ثلاجة المنزل
رأت دخول تميم للبيت الخالي يحمل بيده البشت الأسود ، لتشهق عند رؤيته:
تميم وش تسوي هنا ؟
التفت لها عاقدًا حاجبيه من وجودها في المنزل ليُردف:
بشتي توسخ بالطين بسبب واحد كلب مرّ قدامنا
وجيت أخذ بشت إياد اللي يستعمله كل عشر سنين مرة
-سكت قليلًا - أنتِ اللي وش تسوي هنا يا بنت؟
ضحكت وهي ترى البشت المغطى بالطين لتغمز له:
بداية الغيث قطرة ، العاملات نسو الكيكة جيت آخذها
-أكملت بعجلة - لا تتأخر بيأذن المغرب ولازم تكون في صالة الرجال!
هزّ رأسها وهو يصعد مُستعجلًا ليغيّر بشته بينما أخذت شادن الكعكة لتتجه إلى سيَارة السائق الذي ينتظرها
شهقت بقوة عندما شعرت أنها ستتعثر بعبائتها ويدين آخرى تُمسك بالكعكة التي أوشكت على السُقوط
رفعت نظراتها المُرتبكة له وهو يقبض على يديها بقوة ليردف بقلق:
بسم الله عليك ، انتبهي الله يصلحك ما شفتي طريقك؟
-ابتسم بعبط- لا والله من وين تشوفين وأنتِ شايلة كرتون أكبر منك
سرحت في وجهه بعدم إستيعاب ، لم تحتج وقتًا طويلًا لتعرفه
إلا أن طوله الفارع أرعبها فلأول مرة ترى شخصًا بهذا الطول
ابتسم خيّال لتبتسم نظراته من خلف النظارة أيضًا وهو يقول:
وين تبيني أوديها ؟ واضح ثقيلة منتي قادرة تشيليها
بلعت ريقها وهي تسحب يديها من تحت يديه بشكل مُفاجيء دون أن تعير الكعكة إهتمامًا
لتُفلت شهقة صغيرة من خيّال الذي كاد يميل مع ميل الكرتون:
أووهووه شفيك شوي شوي !
بتخربّين كيكة أختي وشوفي من يفكك من لسانها عاد
أحكمت إغلاق عبائتها لتتجاوزه وتدخل لسيّارة السائق الذي كان بالقُرب منها
عضّ خيّال على شفتيه وهو يلتفت ويتبعها حتى يضع الكعكة داخل السيّارة وبهمس:
مسوي تنّكت أنت ووجهك ؛ أرعبت البنت عيونها انخطفت من الخوف"
مسحت على وجهها بخفّة ، وهذا الموقف أبى أن يمرّ مرور الكِرام على قلبها
ما زالت تفكر بهيئته وطوله المُهيب ، أناقته الفائقة والتي تُقسم أنها تُجاري أناقة تميم
تهذيبه للحيته الخفيفة ، وابتسامته الرائعة التي تشعر أنها متوارثة فيهم جميعًا!
إن كان الموقف الأول مُخجلًا بالنسبة لها ، فموقفها قبل قليل كان مُحرجًا لأبعد مدى
"عندما دخلت للمطبخ رأته متخفي خلف الكرتون الكبير وعلى حين غرّة قالت له:
خلاص يا محمد اتركها هِنا يعطيك العافية
حينها " بلعت العافية " عندما تبيّن وجه خيّال وهو على ابتسامته عندما سمعها تناديه بـ" يا محمد "
ليقول لها بعد أن رفع حاجبه بنغزة:
زين يا مدام حاضرين ما سوينّا شيء!"
تأففت وهو تُحاول تجاوز الخجل العميق لتنزل إلى الأسفل قبل أن تحين زفّة إرم
.
.

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن