الجزء ٢٦

796 17 1
                                    

.
في الصباحات المُبكرة :
صعد ليث للطابق العلوي من منزلهم قبل ذهابه إلى عمله ، متجه إلى غُرفة شادن التي بات يراها قليلًا في الأيام الماضية
رأى خُروجها من غُرفتها وإرتباكها بعد أن لمحت نظراته الصارمة
ليقول بجدية وهو يأشر لها أن تُعاود الدخول:
ادخلي أبيك بكلمة رأس !
فركت كفيّها ببعضها البعض وهي تُبلع ريقها بتوتر ، أصبحت تتحاشى ليث مُنذ آخر إصطدام بينهما
لما آل إليه ضغطه المُستمر عليها وإستنزافه لمشاعرها
التفتت له بعد أن أغلق الباب لتتنهدّ بضيق:
ليث إذا عشان موضوع صاحبك ، فالموضوع منتهي
الزواج ماهو غصيبة ياخوي!
وأنت تبيني أوافق عليه بعد ضغط منك وتقول لأبوي وافقت برضاها
زفرّ نفسه وهو يعتدل بوقفته ليُردف بنفس الجدية:
وش تشوفين فيني يا شادن ؟
همست بسُرعة وهي تعرف مقصده من سؤاله:
ما أشوف إلا كل خير ، وإنك رجال عن رجاجيل الكُون كلهم
ولو حطوّك بكفة والعالم كلّه بكفة بتظلّ في عيني مثل ما أنت
أشر بيديه ليقول بذات النبرة:
لو أنا كـ ليث ، تقدمت لبنت ورفضتني !
وش أول ردة فعل راح تاخذينها؟
تنّهدت بخفوت:
بقول ما عندها سالفة ، لأنها رفضت نعمة من نِعم ربي
انفرجت ملامح وجهه الجادة ليبتسم:
وأنتِ ماعندك سالفة يوم إنك ترفضين خيّال
ما أنا إلا إنعكاس لروح خيّال ، عشنا مع بعضنا البعض أكثر من عيشتنا في بيوتنا
لو ما توثقين فيني ، كنت راح أعذرك!
لكن هذاك بلسانك اعترفتي يا شادن
جلست على سريرها بذات الضيق ودمعها يهطل دون صوت أو نَفَس ، تبكي كما لو كانت دُمية
وكما اعتادت في السنوات الأخيرة ، حين تضطر لكبت صوت البُكاء بحجة أنها كبرت عن أحضان والدها
التي كانت يومًا مستقرها وملاذها
إن كان والدها الفعلي قد نفد من مداراة حُضنها ، فإن والدها الرُوحي لم يفعل
اقترب منها ليث ليحتضنها بخفّة وابتسامة:
ياويل قلبك ياليث على هالدموع!
يالشادن أنتِ خيّال ما هو علّتك
علّتك هناك في لندن عند إياد
ما تبين تاخذين خطوة وحدة في حياتك إلا وهو شاهد عليها
تبينه موجود حولك دايم ، بينما هو هارب!
إلا أنك هربتي بروحك ! نأيتي بنفسك عنّا وعن سير مجرى حياتك
لا وظيفة لا زواج لا حتى طلعات تطلعينها برضاك
أراحت رأسها على صدره الحنون لتُهمس بدمعها:
قد شفت بنت ما تفرح بوجود أبوها ؟
إياد يوم إني جيته مليون مرة طايحة ومتعورة ، داوى جروحي
يوم إني جيته فرحانة بالشهادة ! فرح ومدّ العشاء من هنا لهنا
ويوم إني تخرجت ، ما رفعت إلا رأسه
أنا من لحظة ولادتي ، عرفت إياد أب لي
قول لي كيف البنت تتوظف وتتزوج وتلبس الأبيض بدون وجود أبوها الحيّ الهارب ؟
تنّهد ليث بألم على حالتها وتعلّقها المجنون في أخيها الأكبر
أيلومها ؟ لا والله ، فهي صدقت بقولها
مُنذ طفولتها وإياد يُمارس دور الأب والأخ والصديق والمُعلم والطبيب
ما عرفوا أختًا غيرها ، أختهم الصغرى
جاءت عندما تعمّد البيت بأعمدته الأربعة
جاءت لتعيش مُدللة مُرفهة في بيتٍ اكتمل بُنيانه بوالدها وأخوتها الثلاثة
اكتملّ أساسه فأصبحت الآنسة التي يُسمح لها مالا يُسمح لغيرها
استخرج هاتفه من جيبه ليضعه أمامها عندما اشتغلت الرسالة الصوتية:
( مساء الخير ليث ، أدري يا أخوي !
بلغني خيّال بخطبته لأختي .. الله يجزاه خير ويرفع قدره
ما ترك الموضوع يمرّ من عندك بس وجاء لي
شافني أبوها أكثر من أخوها وعلّمني بخصوصها
أنا ماعندي مانع . مثل خيّال ينشرى بالدم !
وأقولك هذا الكلام وأنا كليّ ثقة إن خيّال بيحفظ بنتي الصغيرة
أدري إن الشادن رافضة ! بس اقنعها
ما أتوقع بنزل السعودية قريب ، الدراسة بتبدأ هِنا
ومضغوط من كل ناحية
لذلك لا تعرقلوا موضوعهم زيادة أو تربطوه فيني
سلّم عليهم كلهم ، استودعتكم الله )
أغلق هاتفه وهو يُبعد شادن عنه لينظر إلى جمود ملامحها وتوقفّ دموعها
تنّهد وهو يقول بهدوء باسم:
وهذا أبوك ما عنده مانع وموافق مثل ما سمعتي
هاه يالشادن ، وش قرارك ؟
نشفنا حلق الرجال وهو ينتظر شهر كامل عشان سمو الأميرة توافق عليه.
إذا راضية ؟ ما كسبتي إلا شيخ الرجال
أما إذا كنتي رافضة ، فوالله العظيم ما تنغصبين عليه ورؤوس آل ماجد حيّة
.
.
.

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن